وهكذا تتغير المواقف بتغير الأحوال، وقد أجرت مجلة (المجلة) لقاءً مطولًا معه ومع ابنه نواف ومع ابن أخيه الدكتور عثمان ونشرت المقابلة تحت عنوان مثير: (رجل من بريدة يعثر على ولده الأمريكي بعد ٤٥ عامًا).
يحسن أن نستعيد في أذهاننا ملامح شخصية هذا الرجل المغامر قبل رحلته إلى أمريكا لتبدو لنا الصورة في إطارها الواضح، ومدى المفارقة الكبيرة بين ما كان من قبل وما حدث من بعد.
فعندما نعود إلى ما قبل بداية هجرته يلوح لنا في سالف الأيام فتى تتدفق في إهابه حيوية الشباب وتتجسد في ذاته توثبات الطموح إلى جانب أنه تتمثل فيه أصالة العربي واستقامة المسلم، انطلق من قلب الجزيرة العربية قبل ما يقارب ٦٤ عامًا نحو بلاد لم يخطر اسمها في ذهنه ولم ترتسم صورتها في مخيلته، تبعد عن بلاده مسافات شاسعة فلم يتهيب اجتياز تلك المسافات، وتفصلها عن بيئته بحار ومحيطات فلم يتردد في عبور تلك المحيطات، فتي تعود ركوب الجمال في الأسفار عبر الصحراء يجد نفسه في طائرة تحلق به في الأجواء لتضعه في أرض تختلف في طبيعتها وتكويناتها وتقاليدها وحتى في توقيتها الزمني، ولم يكن مهيأً لها إلَّا بما يتسلح به من عزيمة لا تعرف التراجع وإرادة لا ينقصها الحزم تحدوه آمال كبيرة وتحفزه تطلعات كبيرة مع العلم بأن الأسفار في ذلك العهد كانت محدودة في إطار ضيق ومقصورة على الإبل التي تقطع الطرق القصيرة في مدة طويلة وبخطوات بطيئة، كان هذا هو الحال بين البلدان العربية المتقاربة الأبعاد فكيف بالقفزة إلى بلاد موغلة في البعد ولدى مجتمع منفتح يختلف كل الاختلاف عن مجتمعنا العربي الإسلامي المحافظ.
ولا تقف هذه القفزة عند هذا الحد من التباين في الطباع والعادات والديانة واللغة إلى جانب اختلاف النظرة في الأوضاع الاجتماعية، بل تمتد