وسائل حضارية متطورة، وإذا كان الناس الذين ألفهم وعاش بينهم في الوطن العربي كانت خطواتهم في الحياة رتيبة وتعاملهم معها يسير على وتيرة واحدة ونمط مالوف وقاعدة معروفة وفي نطاق محدود، فإنه يشاهد في مهجره حركة دائبة وتحركًا سريعا حتى يخيل إليه أن الناس يركضون إلى أعمالهم ركضًا يسارعون في استثمار أوقاتهم.
وفي نظرته إلى هذا التباين بين مظهرين للحياة في وطنه وبين قومه وفي وطن آخر وعند قوم آخرين، وجد أنه لابد أن يخوض غمار تجارب قد تكون جديدة عليه وقد تمرس بالجدية في سالف عهده، ولذلك يرى أنه مهيأ لخوض مجالات لم يكن له عهد بها ولا زاولها من قبل، وقد شعر بأهمية إقدامه على الأعمال التي لم يتدرب عليها في سابق عهده ولم تكن ضمن دائرة اختصاصه وذلك عندما انفصل عن زوجته الأمريكية الأولى التي التقى بها في بغداد وتزوجها في دمشق ورحل معها إلى أمريكا ثم انفصل عنها واستقل بحياته مما أوجب عليه أن يبحث عن مجالات كسب المال بجهده، وكانت معاناته كبيرة في مواجهة المد الصاخب للوضع الأمريكي في التعامل مع الوقت وأسلوب أداء العمل، وكانت أمامه ساحة واسعة من الأعمال التي قد تلتقي مع استعداده أو طبيعة حياته أو تدخل ضمن اهتماماته، وقد يكون منها ما يخالف ذلك مما يفرضه عليه واقع التعايش في مجتمع لا يفرق بين نوعيات الأعمال ما دامت تضمن دخلا للفرد ضمن دائرة مجتمع عامل.
وبعد فقد كانت قراءة هذا الكتاب ماتعة ونحن ننتقل مع المؤلف في مغامراته وهو يقدم لنا صورة مواطن سعودي هاجر إلى أمريكا التي كانت تسمى الدنيا الجديدة قبل أكثر من ستين عامًا، ولا أدل على حبه للمغامرة من سفره في أول رحلة طيران تقوم به طائرة من أمريكا إلى أوروبا عبر القطب الشمالي عام ١٩٥٧ م، وزودته شركة طيران (بان أمريكا) بشهادة هذا العبور