كان ربعة من الرجال يميل إلى الطول في قامته جسيما بعيد ما بين المنكبين عريض الصدر وله هيبة عظيمة وشجاعة، وكان عاقلًا رصينًا بليغًا فصيحًا وله سمت عظيم يخاطب الملوك ويصدع بالحق ولا تأخذه في الله لومة لائم.
وكان في صفة قضائه أنّه يجلس للخصمين على الأرض وما تحته وسائد ولا مياثر ولا فرش، فإذا سمع كلام الخصمين واستورد ما لديهما من البينات قضى قضاء جالس بين الجنّة والنار لا يراعي ولا يداهن، ولا يطمع الغني في ميله ولا يخاف الفقير من حيفه وجوره.
وكان يتحلم على الجاهل ويتغافل عن سقطات اللئام، كما كان يمشي ذات مرة فأسمعه بعض الجهال كلامًا سيئًا فقال له ابنه الشيخ عبد الله: لو ردعت هذا الجاهل فإنك قادر على حبسه وتعزيره، فالتفت إليه قائلًا: يابني إذا نتعب، لو نعامل كلّ جاهل بما يستحق، ولكن نعامل النّاس على قدر ما نستحق يا عبد الله، سد أذنيك وغمض عينيك، فهذا زمن السكوت ولزوم البيوت، ومن يتكلم بالحق فإنه ممقوت.
ودعاه صديق مرة وكان لا يحب الإجابة فلما جلس لديه في بيته سأله عن ابيه فقال: إنّه في أقاصي البيت وسيأتي بعدنا، ويلقي خيرًا فقال: له يابني أخطأت في هذه المعاملة لوالدك إذ الحق أن يكون مقدمًا في المجلس ومتصدرًا فيه، والآن فلا يحلو لنا طعامك، فأخذ بيد مرافقه رشيد الفرج، وكان مصاحبًا له في هذه الدعوة فقال له: يا شيخ، بل يذهب إلى أبيه فيدعوه، فقال: لا، بل المرة الثانية نجده حاضرا فطلب منه الريس أي المؤذن أن يرجع لأن صاحب الدعوة قد أحضر الغداء، والإكرام، فخرج وذهب به إلى بيته وأمر أهله أن يأتوا بغدائه، وكان خبيصًا طيبًا فقدمه، وقال له: تفضل يا ريس من ترك شيئًا لله عوضه خيرًا منه.
وقضى مرة على شخص، فقال: إلى الله أشكو فلو كنت مثل فلان يقدم