ما رأيتك ولا رأيتني، (أي لا تخبر عني أحدًا ولن أخبر عنك أحدًا بأنك سقيتني أو رأيتني، لأن الأمير لو علم أن الجمَّال قد رآه فتك به).
ولما سار الشيخ متجهًا إلى الوادي، وذهب الجمال متجهًا إلى بريدة، قابل الجمال فارس يدعى الغلث من خدم حسن المهنا، كان لاحقا بالشيخ يريد الفتك به، فسأل الفارس الجمال: هل رأيت الشيخ محمد بن سليم؟ فقال الجمال، نعم رأيته، قال: أين رايته؟ قال: رأيته يدخل عنيزة، والآن يمكن أنّه قد شرب عشر قهاوي عند أهل عنيزة، قصده بذلك صده عن اللحاق بالشيخ ولفت نظره إلى تطلع أهل عنيزة لمجيئه وفرحهم به، فما كان من الفارس إلَّا أن صدق كلام الجمال وعاد من حيث أتي وأعمى الله بصيرته، وإلَّا فليس بينه وبين الشيخ شيء.
ولما انحدر الشيخ إلى الوادي اتجه نحو مزارع الروغاني التابعة لعنيزة فوجد أن جماعة المسجد قد صلوا الظهر، فقصد بركة الماء في بستان عبد الله بن يحيى وتوضأ وصلى الظهر فرآه عبد الله بن يحيى من بعد وهو جالس في مصلاه فلم يعرفه لبعده عنه، ولأنه لا يخطر بباله أن الشيخ يأتي في مثل هذا الوقت راجلًا وحده، فقال ابن يحيى لأحد عماله: إذهب إلى ذلك الرجل، وادعه إلى منزلنا لتناول القهوة إكرامًا
منه الرجل عابر سبيل، ولم يكن قد عرفه، وابن يحيى رجل كريم مضياف يكرم كلّ من يمر به، كعادة كرماء أهل الجزيرة العربية.
فلما قرب العامل من الشيخ عرفه، فعاد مسرعًا إلى عبد الله بن يحيى ولم يخاطب الشيخ فقال: هذا الشيخ محمد بن سليم، فاذهب إليه أنت فأنكر عليه ابن يحيى قوله وقال: هل يعقل بأن الشيخ محمد يأتي راجلًا وحده في هذه القائلة وشدة الحر؟ فما كان من العامل إلَّا أن حلف بأنه الشيخ محمد وأنه يعرفه معرفة تامة، وقد سبق أن خاصم عنده في بريدة.
فصدقه ابن يحيى وذهب إلى الشيخ بنفسه، وظن ابن يحيى أن مجيء الشيخ بهذه الصفة وراءه أمر فلما وصل إلى الشيخ عانقه معانقة حارة وبادره بقوله: