ومعرفة الطبيب بالمناطق الخطرة، التي قد يسبب كيها تعطيل عضو، أو توقفه، أو قد يسبب العقم - لا قدر الله - تجعله يجتهد مع المريض في الحالات النادرة، ومن ثم يُقْدِم على علاج المريض متحريًا له الشفاء، ولو أصر المريض على كي موضع معين، ونحن نعلم أن عليه خطرًا منه، فإننا لا نوافقه إطلاقًا، وقد جاءني شخص عنده ألم شديد جدًّا في عينه التي فقدت الإبصار، وقال: لو سمحت إلخَسْها (أي أكو العرق الذي يميتها) وألحَّ بطلبه إلحاحًا شديدًا، ورفضت وقالت له: اتركها لعل الله يعيدها إلى حالتها الأولى، وعمومًا ليس هناك أوقات محددة للكي، بل جميع الأوقات مناسبة.
ويذكر الشيخ الصمعاني في حديثه بعض الطرائف التي صادفها خلال رحلته الطويلة مع العلاج الشعبي، فيقول: في يوم من الأيام أتاني شخص في ساقه جرح متعفن، ويشتكي من ألم شديد في رجله، وأنه من شدة الألم لا يستطيع النوم، وذكر أنه عرضها للعلاج ولم يحصل الشفاء.
ولما فحصت الجرح وجدته عميقًا داخل الساق، وله رائحة نتنة، فخطر ببالي خاطر، فقلت له: إذهبْ واصطد رخمة (نوع من الطيور التي تأكل الجيف برقاء اللون) من عند المسلخ، وخذ قانصتها وافتحها وضعها على فتحة الجرح حتى الصباح، ثم راجعني اليوم التالي، ففعل. ولما جاءني قال: خرج من جرحي بعض الديدان، ونمت قليلًا، قلت له: اذهب واصطد رخمة ثانية وثالثة، وطبق نفس الأمر في كل يوم، وجاءني في اليوم الثالث وقال: خرج قليل من الديدان في اليوم الثاني، أما في اليوم الثالث فلم يخرج شيء، وأنا أنام على خير ما يرام، وقلت له: الحمد لله لقد شفاك الله، خذ بعض المطهرات، وطهر جرحك، وفعلًا بعد مدة قابلني، وهو بخير، وسألني كيف استدلّيت على هذه الوصفة؟ فقلت له: حيث إن الرخمة تأكل الجيف فلابد أن قانصتها فيها