يقول الوالد: لاحظت أن حماد التفت إليَّ عدة التفاتات لم أفهمها بل استغربتها منه.
غابا عني ترفعهما طعوس الرمال وتخفضهما، شرعت في عمل القهوة، طلعت الشمس وارتفعت وبدأت حرارة الجو تلتهب شيئًا فشيئًا، وبدأت أقلق على رفيقي، لماذا تأخرا؟ فصرت أسير على أثرهما الذي لم تمحه العواصف فأسير مسافة وعيني مرة على السيارة كي لا أضيعها ومرة على جهة رفيقي، وكلما ارتفعتُ ناديت بصوت عال يا حماد، يا محمد، فلا يجيبني إلا سكون الصحراء ورياحها التي تهب مزمجرة حولي!
فقلت في نفسي مقدرًا زمنهما: ساعة ذهاب، وساعة عودة، وساعة بحث عن محطة وقود، ثم أقول لا، بل ساعتين ذهاب ومثلهما عودة! وهكذا من التخمينات وأخيرًا قلت لنفسي لعلهما جلسا بالقرية خوفًا من الحر الشديد، وقالا إبراهيم أبو سليمان عنده ماؤه وقهوته وطعامه يتصرف، ونحن نجلس بالقرية حتى العصر، فإذا خفت الحرارة نعود لأبي سليمان ومعنا الوقود وهكذا من التخمينات وتطمين النفس!
يقول الوالد: لم أشرب قهوتي من القلق على رفيقي، حلَّت القيلولة وجلست تحت السيارة التي تسفها الرياح تدخل من جهة وتخرج من أخرى.
وإذا لمست حديد السيارة من باب أو صندوق كوى يدي من شدة الحرارة.
وبعد العصر بقليل سمعت صوت سيارة تقترب مني شيئًا فشيئًا، فأشرت لقائدها بيدي فوقف ونزل من سيارته وسلمت عليه وعرضت عليه القهوة، ترك سيارته شغالة لئلا تنطفئ فتخرب، وجلسنا أنا وهو على قهوة الصباح، فقال القائد ما أتى بك إلى هنا؟ هذا المكان ما تعرفه؟ ! اسمه (قبر جويعد) الذي مات فيه ستة أشخاص قبل فترة من موظفي شركة أرامكو، ومات فيه صاحب السيارة الونيت (بكب) ومات فيه، ومات فيه، وراح يعدد من مات في هذا المكان!