هكذا قال، وهو شاد يدي بيده وحاولت أن أمانع بحجة أنني قد أشغله عن عمله فأبى إلَّا أن يفرجنا على جميع بستانه ولعمر الحق إنني لم تر عيني بستانًا مثله في هذه الناحية، نخله قد استقل عن الأرض قليلًا، وتينه قد جلل شجره حتى فروع النخيل، والرمان قد سد الخلل بين الجميع والعنب والأترج يركب هذا وذاك.
وهذا البرسيم الجميل الذي أفتر ثغره عن ابتسامة فيها كل سحر ومتعة، وقد كللت حياضه بالطماطم والباميا والباذنجان واللوبيا وإن نسيت فلا أنسى تلك الجداول التي تتماوج وتنسحب بهدوء بين فسائل النخيل التي نسقت ورتبت بنظام هندسي جميل.
إنني في بحار هذه المتعة لا أكاد أستمع لشرحه الذي يدلي به لنا كلما واجه شجرة أو أرانا منظرًا جميلًا يشرح به كيف غرس هذا واسم هذه النخلة، وعمر هذه الشجرة.
وإنني أعجب كيف توجد هذه الجنان النضرة في بلادنا ومع ذلك نقعد عن استغلال أرضنا وكيف نكسل هذا الكسل المشين.
وعجبت من أن الأغلب، بل الكل - والنادر لا حكم له ولا يقاس عليه من الجغرافيين يصفون بلاد العرب بأنها قاحلة وحجرية وأن الماء نادر فيها ولعل مرادهم الدهناء والصمان.
وبعد أن طاف بنا جميع بستانه استغفر الله بل جنته صلينا المغرب في تلك الحديقة أو الجنة، ثم جاء بدلة القهوة وإبريق الشاي وشربنا القهوة والشاي وهو لا ينفكَّ يتحدث بلسان الرجل المثقف وحقًا إنه مثقف، عن التقدم والتأخر وعن الأسباب التي سبقنا من أجلها الغرب إلى الرقي في الصناعة وفي كل وسائل الحياة.
وما كدنا نفرغ حتى جاء ابن عمه صالح الطويان وهو عجب من أعاجيب الدهر ذلك لأنه رجل عقيلي أي صاحب مواشٍ إبل وغنم فقط، ومع ذلك معه من علم الجغرافيا ما هو فوق مستوى التعليم العالي الجامعي.