للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العائم في الغدير ينظر إلى (الحدأة) وهي تصعد برأس ماله الذهبي بعينين غارقتين بالدهشة والحسرة، ويخرج من مسبحه في محاولة يائسة لعمل ما يمكن الاستنقاذ (الكمر) لكن (الحدأة) تختفي عن الأنظار في عُروجها إلى الفضاء البعيد، ويضرب (العقيلي) كفًّا بكف مرددًا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

ويعود إلى رفيقه القائم حول الزاد والراحلتين الذي أعد القهوة، وطبخ الغداء وقام ينتظر عودة صاحبه، الذي عاد بوجه غير الوجه الذي مضى به، وسأله رفيقه: ما أخرك يا فلان؟ فلم يرَ (العقيلي) أن من الحكمة أن يفجع رفيقه بخبر (الحدأة) التي طارت (برأس ماله) بل قال له: لقد سبحت بغدير الماء القريب، ثم خرجت من الماء، وجلست قرب الغدير، وتفكرت في شأن أسرتي وأمر الرحلة، واستخرت الله بين المواصلة والعودة فبدا لي أن أعود إلى نجد، واصل يا صاحبي رحلتك مستعينًا بالله، الله ولي توفيقك، وحاول رفيقه أن يثنيه عن قرار العودة، أو يفهم العلة في اتخاذه، ولكنه لم يتحقق له شيء من ذلك. وعاد (العقيلي) إلى نجد ومضى رفيقه إلى الشام، وحين تقدم عدة أميال، إذ به يبصر على الطريق (كمرًا) مملوءًا بالنقود فنزل من راحلته وأخذه من الأرض، وهو يقول: هذا (كمر) فلان، سبحان الله، كيف سبقنا إلى هذه الأرض؟ ! وبدأت تتكشف له أسرار عودة صاحبه على عقبه إلى نجد.

واصل الرجل رحلته إلى الشام، وهناك باع واشترى بماله ومال صاحبه، وحتي نما المال بين يديه، وربح العشر عشرين، وقفل عائدًا إلى (نجد).

وحين أصبح الصباح أقبلت رواحله على البلدة، فاستقبله الأهل والأصحاب، وأقيمت له ولائم الأفراح، وبعد أيام دعا صاحبه إلى قهوة الظهر، فدخل عليه ومضيا يتحدثنان، وفجاة قام الرجل، ووضع أمام صاحبه (كمرًا) مملوءًا بالنقود، وسأله:

أهذا (كمرك) الذي فقدته في الطريق؟