والاتحاد في عرصات القيامة، ويجعلنا على الأسرَّة جالسين وبالمسامرة والمؤانسة في الغرف مستمتعين، وأن الله لا يخذلنا بين الصفوف ولا يخجلنا في تلك المجامع والزحوف، وإلا الدنيا يا أخي ما جمعت إلَّا فرقت، ولا صفت لحظة إلَّا وكدَّرت، ولا أضحكت إلَّا وأبكت، لابد من الافتراق، وعلى كل حال لابد أن يقال: فلان غاب وسكن الطباق، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولا شك أن أمرك وحالك على بالي يعز عليّ اغتمامك ويفرحني استرارك وأنا ربما أنني بالدعاء ألاحظك وبالمواساة أشاطرك.
والأمر الرابع هو الوصية بتقوى الله يا محمد بن ناصر عليك بالعض على ما قلاه الأكثرون، وعليك بالمحبة لما سأمه البطالون والمصابرة والصبر فإنما هي أيام تنقضي ويذهب هذا ويزول وعند الصباح يحمد القوم السرى.
عليك بتقوى الله الذي أصبح المدعي لها كثير، والعامل قليل، وصاحبها على العامة والخاصة ثقيل والتزام التقوى يوجب للناس حالًا تدهش العقول وتبدي الطيشان والذهول العمل بتقوى الله أطار عن الأعين المنام وأخمص البطون عن الشراب والطعام وحال بين النفس وملذوذاتها، قد جعل أهلها يميدون من الشهيق. ويصيحون صياح الحريق، وما مضى من أيام المتنعمين يوم إلَّا ومضى من أيام المهمومين يوم حتى يجمعهما يوم.
لا يطولن عليك السفر فإن عيد اللقاء قد قرب، وأوان الصبح قد اقترب.
فيا أخي ويا محبي مهما دار بالنفس ودهاها من الهموم والأنكاد فاطرده وسل النفس بما أمامها من الأهوال والأفزاع.
لما نبح كلب على بعض السلف قال: أسكت يا كلب فإن كنتُ في الجنة فأنا خير منك وإن كنت في النار فأنت خير مني.