للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأستاذ عبد المحسن بن فهد العبيد، المدرس بمدرسة تحفيظ القرآن الكريم ببريدة، وإمام وخطيب جامع الحميدان، ولم تغرب شمس ذلك اليوم، حتى كان في عداد الموتى، حيث توفي - رحمه الله - في حادث مروري على طريق القصيم الرياض وهو لم يتجاوز الأربعين من العمر، وله مؤلف ضمنه خطبه الأسبوعية ومواعظه العامة، فكم للموت من بغتات لا يجدي معها الحذر، ولا ينفع معها التقدير "لقد فضح الموت الدنيا".

قال لي الشيخ عبد الله العثيم: زرت الشيخ فهد العبيد، لأعزيه في وفاة ولده، فوجدته صابرًا محتسبًا، وكان مما سمعته منه: (يا عبد الله، لو أعرت عصا، ثم جاءك المعير بعد مدة، يطالب برده، أكنت تجزع من ذلك؟ إن ولدي عارية استردها الله، فله ما أعطى وله ما أخذ).

وحين أتم الشيخ العثيم روايته هذه، أضاء في ذهني، بيت للشاعر كعب بن زهير، قاله ضمن قصيدة طويلة يرثى فيها أخاه:

(وما المال والأهلون إلَّا ودائع ... ولا بد يومًا أن ترد الودائع)

وقال لي آخر: ذهبت أنا وعدد من الإخوة، لمواساة الشيخ فهد في ولده، فألفيناه في صدر مجلسه، وهو يعظ الناس بالصبر، ويوصيهم بالاستسلام لقدر الله والرضى بقضائه، وكأنه المعزي لا المعزي! (١).

وممن كان يجلس إليه الشيخ عبد الله القرعاوي إمام الجامع الكبير ببريدة والشيخ الفاضل محمد الفهد الرشودي وغيرهم كثير.

واشتد به المرض حتى ألزمه الفراش أشهرا، فلما كان يوم الخميس السادس والعشرون من شهر جمادى الآخرة كنت ممن حضر مجلسه وكعادته رحمه الله كان مضطجعًا على السرير من شدة المرض والضيوف يأكلون من المائدة عنده، فلما فرغوا


(١) من أفواه الرواة، ص ١٩٠.