وإطلاعه الواسع، وشيء آخر اختلف تقديرهم له وهو حرصه على الإطلاع على الكتب الأخرى غير التي يقراها أمثاله من طلبة العلم الذين كانوا يحصرون اجتهادهم في كتب العقيدة والتفسير والفقه والحديث إلى جانب علوم الآلة من نحو وصرف ولغة، ولا يكادون يتجاوزون الكتب المؤلفة في هذه الفنون اعتقادًا منهم بأنها كافية لطالب العلم، وافية بما يحتاج إليه من علم يفيد به الناس ويسترشد به في دينه، وإذا وجد فضلًا من وقت فإنه يجب أن ينفقه في العبادة وتلاوة القرآن الكريم.
أما الكتب الأخرى مثل كتب التاريخ والأدب والشعر والفنون الأخرى فقلَّ من يريد الإطلاع عليها منهم، وإذا تجرأ أحدهم وفعل ذلك علنا بأن أحضر هذه الكتب إلى حلقات الدروس التي تتناول غيرها من الفنون فإن زملاءه قد يتهمونه بأنه يسعى إلى إهدار وقته وأوقاتهم بشيء غير مهم على حساب المهم من كتب الفنون التي ذكرناها.
وكان الشيخ صالح بن عثيمين من طلبة العلم الذين لا يقنعون بالإطلاع على كتاب دون آخر حتى نسب إليه ما عده بعضهم عيبًا فيه وهو أنه كان يقتني خفية (تذكرة داود الانطاكي) في الطب وخصائص الأشياء.
وهكذا صار بعضهم ينظر إليه نظرته إلى شخص غير معتاد في تصرفاته العلمية، وكان الشيخ قبل ذلك معدودًا من طلبة العلم النبغاء حتى إن شيخه الشيخ عمر بن سليم كبير علماء القصيم في وقته قد أخذه معه عندما أمره الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله بالذهاب إلى الأرطاوية ليكون مذكرًا ومرشدًا لأهلها الذين يرأسهم آنذاك فيصل الدويش وأن يأخذ معه عددًا من طلبة العلم الذين يمكن أن يساعدوا في إرشاد أهلها، وفي الوقت نفسه يواصلون طلب العلم على شيخهم الشيخ عمر بن سليم كما كانوا يفعلون في بريدة.