وضع المحماسة التي تحمس بها حبوب القهوة على النار فأخرج والدي حب البن الذي هو حبوب القهوة التي معه ووضعها في المحماسة، فقال أبو خشرم عند ذلك: يا الله كتر خيره.
وتلك عادة عندهم متعارف عليها أن الرجل إذا كان ذا بال ممن يشره عليهم إذا زار صديقًا له أو قريبًا منه في خارج المدينة أن يحمل معه حبوبًا من القهوة وبهارها من الهيل، وذلك لكون الذي يزوره لا يخلو من أمرين في بعض الأحيان، إما أن لا تكون لديه قدرة مالية على شراء القهوة والهيل، أو أن تكون لديه ولكن المدينة بعيدة منه لا يستطيع أن يرسل إليها من يحضرها منها قبل وقت طويل تفوت مناسبتها، ولا يرون في ذلك بأسًا، وقد رأيت والدي فعله مع أناس عديدين من أهل الخبوب.
ثم أخرج والدي الهيل من طرف شماغه ووضعه في فنجال كبير.
جلس الرجلان يتحدثان حديثًا لا أفهمه في ذلك الوقت لصغر سني مما حمل أبو خشرم على أن ينادي ابنه عدوان، قائلًا: رح يا وليدي بالحميدي - يقصدني وهي تصغير محمد كما هو معروف - دوِّر له جربوع يلعب عليه.
صدع عدوان بالامر فأخذ عصا من أثلة عندهم وأخذ معه خرقة وذهبنا الصحراء القريبة منهم فصار يغرز طرف العصا في الأرض أكثر من مرة حتى قال في إحداها: هذا هو الجربوع، وكان بذلك يبحث عن قصعة الجربوع وهي التي يخرج منها إذا هاجمه عدو له من جهة مدخل بيته الذي حفره.
فأعطاني عدوان العصا ووضع على المكان الذي اختاره الخرقة، وقال لي: أدخل العصا في جحر الجربوع وكرر ذلك ففعلت، وإذا بالجربوع يقفز تحت الثوب ظنًّا منه أنه ليس فيه شيء، وأنه سيهرب مثلما كان يفعل في الظروف المعتادة.