إذ كان يعيش عند أبيه سليمان العيسى الذي تقدم ذكره، وكان أبوه قد أثري، وله حائط من النخل المزدهر في الصباخ وكان الابن يسهر مع فتيان أصدقاء له يتناشدون الأشعار، وكان عبد الله لا يعود من مجالسهم إلَّا في ساعة متأخرة من الليل، وقد نهاه أبوه عن ذلك فلم يقلع عنه.
وفي ليلة من الليالي سأل زوجة له ليست أمّا لعبد الله عن (عبد الله) متى جاء البارحة للبيت فذكرت أنه تأخر في المجيء ربما قالت نصف الليل.
فقال: كيف يتأخر وأنا ناهيه؟ لكن ان كان هو تأخر الليل فنبهني أوريك ويش أسوي به، وقيل: أعَدَّ عصا غليظة أو ما هذا معناه، وكانت أخت له تسمع ما دار بين والدها وزوجته فلم تنم حتى جاء عبد الله فأخبرته بما حدث وخوفته من مغبة ذلك فأسرع إلى (مراح) الإبل في ملكهم، والملك حائط نخل وزرع فشد عليها الشداد وأخذ بندق والده ومعها بعض الرصاص وتوجه بها إلى جهة الحجاز وحيدًا، ليس معه إلا هذه البندق.
ولما أصبح والده سليمان العيسى جاء إليه العامل الذي يسوق إبل السانية وأخبره أن الناقة الفلانية ماهيب ماجودة فأسرع إلى مكان القهوة فوجد البندق ليست فيها فعرف أنه ابنه عبد الله.
فلما جلس أمير بريدة آنذاك وهو عبد الله بن جلوي ذهب إليه وطلب منه أن يرسل رجاله ليردوا ابنه فأرسل الأمير ثلاثة من رجاله وهم مسلحون فلحقوه بعد البدائع وهو يستريح بعد سرى الليل، فلما أقبلوا عليه عرف قصدهم فتترس بالذلول، أي جعلها بينه وبينهم، وجهز البندق وقال لهم: حدكم يا رجال ابن جلوي.
اسمعوا: الذلول ذلول ابن عيسى والشداد شداد ابن عيسى والبندق بندق ابن عيسى، والولد ولد ابن عيسى، وش دخلكم أنتم؟ أنا ما سرقت ولا نهبت ولا جنيت جناية على أحد.