إليه، فوافقنها وصعدن دونما يشعر إلى سطح منزله المجاور لمنازلهن وبدأ يتوجد ويشكي حاله ثم خرج إلى خارج الغرفة ليتحسس هل حوله أحد أم لا حتى يبوح بما يكنه لزوجته وما أصابه بعد وفاتها، فأخذ ربابته ووضعها على النار (وأيبسها) وأخذ يجر عليها ويبكي ويتوجد ويصف مصيبته، وكيف أنه كان ينتظر اللقاء الذي طال، فإذا به يجد داره قد خلت من الأحبة، وأنصتت النسوة إليه وهو يقول:
البارحة نومي على راس كوعي ... كني كسير مسيس الجباره
النوم عين يالفنه اعيوني ... افرح إلى من النجوم استداره
عليك يا زاهي ثمان الردوع ... ضيعت عقلي والهوى والبصاره
غديت ما بين السلف والنجوع ... اعوي اعوا ذيب على راس قاره
وصار يردد الأبيات بصوت ساحر ملؤه الشجون والآلام على الحبيب مما هيض اشجان الشابة الولهانة، وتذكرت حبها وعشقها فلم تتمالك نفسها فنزلت إليه على حين غرة، ورجته أن يحقق لها مطلبها، ولكونها مضيفته ولها عليه حق طلب منها أن تخبره ما هو مطلبها، وحالت في خاطره عدة أشياء مثل هل تريده زوجًا لها؟ أو تريده أن يعيد ما قاله من أبيات؟ لكنها قالت: أريد أن أضع رأسي على فخذك وتضع ذيل الربابة على أذني وتقول أبياتًا أقولها لك، قال: لك ذلك، فقالت:
وأشيب عيني وقلة نصيبي ... يا كيف انا اسهر والخلايق ينامون
والله لولا خوفتي من فريقي ... لا علك يا علي لما يمدون
يا ما على صدرك تنثر دليقي ... وانت شربته يا علي بغير ماعون
ليتك لصندوق الظماير تويق ... ويا ما لعبنا والملا ما يراعون
فصار يردد الأبيات على رباته حتى حفظتها النساء وصرن يغنين بها