الأول، وقد جاوزت بسنواتها وهو يخوضها حرب البسوس، فما وهن ولا استكان، بل واصل الطريق بين آكام من الردود، تلقاها بداية من علماء الأزهر الذين علموه ودرسوه، فتمرد عليهم، وكشف العوار لديهم، ثم جاءته الصفعة من النجف الأشرف، فتلقاها كالبلسم، وكان قد أوجعهم ضربًا، ثم كانت ثالثة الأثافي عندما تلقاها من السلفيين، وهو الذي ولد من رحمهم، ونشأ في معقل من معاقل التعليم الديني المتشدد لديهم، وهو ابنهم الذي أفرحهم، فتوجوه ورجوه لمستقبل الأيام ذخرًا، وفاخروا به الأمم، إلا أنه سرعان ما نكص عليهم، فهجوه ورموه بالسباب والسهام، التي تكسرت على جسده الضئيل النحيل، وما أصابت عقله التأملي الخارق، بل عاش مكابرًا لا يقول إلا ما يعتقده، حتى وإن خالف الجميع.
عاش شموخ المفكر وكبرياء المتأمل الناقد، فكان نقطة انعطاف وعلامة بارزة في فكرنا العربي الحديث، تناول عطاءه الفكري، إن سلبًا أو إيجابًا، مدحًا أو قدحًا، علماء ومفكرون ومثقفون، يُشار إليهم بالبنان، على خارطة الفكر العربي الحديث، فكان القصيمي وكانت حصيلة الرحلة الطويلة، التي لا تزال هناك الكثير من الأسرار تلفها، ولربما حفظها معه فواراها الثرى.
(إيلاف) تابعت مسار الرحلة بدءًا من مسقط الرأس وسقط اللوى، حيث (خب الحلوة) الغافي في أحضان الرمال غربي مدينة بريدة في نجد بالسعودية، وانتهاءً بزيارة مشفاه الأخير الكائن في مصر الجديدة بقاهرة المعز، ووقوفًا عند (جامع رابعة العدوية) حيث شيعت الجنازة، وحيث ووريت في مقابر باب الوزير في مصر.
مرورًا بالعديد من أصدقائه ومعارفه وبعض من أولئك الذين سنحت لهم الفرصة للجلوس معه والتحدث إليه ومناقشته، عندما كان في القاهرة أو لبنان، كما حاورت (إيلاف) أبناءه وممرضته التي أشرفت على علاجه قبل رحيله، فكان هذا الملف الذي تقدمه (إيلاف) في ذكرى رحيله الخامسة، لتذكر العالم