هنا على فرش الحرير محشوة بريش النعام، وشربنا في الصبح لبن النياق.
سألني أحد الأعراب أي العيش أفضل لنا نحن البدو؟ الحضارة أم البداوة؟ فقلت له: أبقوا على بداوتكم واقتربوا من المدينة ما سمحت لكم حالتكم وإياكم أن تغفلوا عن تعليم أولادكم، وإني أخاف إذا عاشرتم الحضر فأكثرتم من عشرتهم أن يختلط عليكم أمركم وتخرجوا عن فطرتكم وأخلاقكم إلى ما تئن منه حضارتنا من النفاق والكذب والتزوير والخديعة، ولولا الغارات المتواترة عندكم لآثرت أن أعيش في هذه الديارات بين البوادي ولو أشهرًا في السنة.
زرت في تلك الرحلة عمان والصلت والكرك ومادبا ومؤته، وجئت معان فقصدت إلى عاملها صاحبي القديم حليم بك أبو شعر وطلبت منه أن يُصحبني بدركي لزيارة وادي موسى فنادي دركيًا وأسرّ إليه شيئًا في أذنه، وأظنه قال له أن ينتبه لحديثي مع البدو وأن يجئه بخبري كله.
وشكرتُ له لأنه لم يقل له جئني برأسه، ولو فعل لجلب السرور إلى قلوب الاتحاديين، القابضين على زمام المملكة يومئذ، ولرقيت درجته في ذاك الأسبوع، وانتهى بنا السير قبيل الغروب إلى عين ماء عذبة على خمس ساعات من معان فقتل للدركي: نتعشى هنا، فاستنكر ذلك وقال: وهل يمكن هذا وبعد ساعة نصير إلى قبيل العرب فيذبحون لنا؟ فأقنعته بأن نأكل من زادنا لأني لا أريد أن أشق على الفقراء فنزل وأكلنا.
وفي العشاء كنا نزولًا على العربان فما أن ترجلنا حتى سمعت صوت (المهباج) لعمل القهوة وأصواتًا أخرى تلبي بأن الخروف يذبح، فقلت للدركي: قل لهم أنا تعشينا: فقال: هذا كلام لا يسمع، دع هؤلاء الذين تراهم من الصبيان والشبان والرجال يأكلون الليلة على جرايرك (بسببك) فإنهم ينتظرون قدوم الضيف على شيخهم حتى يذبح له فيأكلون الفضلات. انتهى.