ولا يخفى ما حل ببني إسرائيل من اللعن والطرد والإبعاد عن رحمة الله لما فعل شرارهم المنكرات، وسكت خيارهم ولم ينكروا عليهم، قال تعالى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٧٨) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}.
وإن لنا في البلدان الأخرى لعبرة وعظة لمن وفقه الله، فإنهم منذ زمن قريب كانوا في أمن ونعمة، ورغد من العيش، فلما طغى فجارهم، وانتهكوا المحرمات، وأعلنوا المنكرات، وسكت خيارهم عنهم، ولم ينكروا عليهم، سلط الله عليهم جبابرتهم، فساموهم سوء العذاب، واستلبوا جل أموالهم، وأذلوهم وأهانوهم، وانتابتهم المخاوف والفتن من كل جانب، وأصبحوا في غاية من الذل والهوان، والجوع والعري، وسفك الدماء وانتهاك الأعراض، وصاروا في حالة لا يأمن الإنسان على أهله وماله يومًا واحدًا.
وكانوا قبل ذلك يسافر إليهم أهل هذه المملكة للتجارة والكسب، وطلب المعاش، فما أسرع انعكاس الأمر، وتغير الأحوال.
حتى صاروا يسافرون لهذه المملكة بالأجرة القليلة للنفقة عليهم وعلي أهليهم، وأخشى إن دمنا على هذه الحال من ظهور المنكرات، وعدم إنكارها والسكوت عن أهلها، أن يصيبنا ما أصاب القوم، ويحل بنا ما حل بهم، من ارتحال النعم، وحلول النقم.