فوقف عندهم بدون مبالاة وقال لهم: يا حليل مديفر، يا حليله، يا قصر مديفر يا قصره) أي كرر ما قالوه من دون تأثر فعرفوا أنه لا يبالي بذلك، ولم يعودوا إليه.
قال والدي رحمه الله: وهذا يدل على عقله واتزانه، وكان (مديفر) يبغض ذلك اللقب، لأنه أولًا يخشي - كما وقع بعد ذلك أن يخرج بأبنائه من اسمهم الأصيل (الدوخي) وثانيًا، لمجرد كونه لقبًا، لا يشعر بمدح ولا بذم إلَّا المدح بقوة الجسم.
ولذلك كانت جميع المكاتبات والوصايا التي كتبها (مديفر) وحتى وصايا بعض أبنائه أيضًا فيها الدوخي وليس المديفر، وإن كانت المكاتبات والمبايعات لجيرانه في الصباخ ونحوهم يذكرون فيها (مديفر) حتى في حياته.
فمن الأول وصية ابنه صالح وهي مكتوبة بخط الشيخ العلامة محمد بن عمر بن سليم في ٩ شعبان سنة ١٣٠٠ هـ. وظاهر صنيعه أن والده (مديفر) كان موجودًا إبان كتابة وصيته، إذ لم يرد له ذكر إلا بكون الموصي (صالح) أشرك والديه باضحية وهذا لا يدل على أن والديه قد توفيا إبان كتابة الوصية، لأن والدته موجودة فهي الوصية على إنفاذ وصيته وإن كان جعل معها خاله عثمان بن خضير الصالح نظيرًا على الوكيل التي هي أمه.
وفي هذه الوصية أشياء معتادة وأشياء غير معتادة تدل على فطنة صالح المذكور.
أما المعتاد فقوله: إنه أوصى بعد موته بخمس ما ورآه وهذا أمر لا يعمل به في الغالب إلا طلبة العلم، ونحوهم أخذا بالحديث (الثلث والثلث كثير) أما العوام فإنهم يوصون في الغالب بثلث ما يخلفونه.
وقال تقدم في ريعه، ولم يقل يقدم فيه أي أصل المال الموصى به، وهذه طريقة جيدة في المحافظة على أصل المال الموصى به عن النقص والمقدم في ريعه حجة واحدة بخمسة عشر ريالًا لنفسه، والباقي من الريع في أضحية وعشيات جمع عشاء في رمضان، وقد شرحنا العشيات وأنها طعام يطبخ من