عشاءهم تأديبًا لهم حتى لا يعودوا إلى تلك التصرفات مع الأيتام، فعرضوا عليه أن يصنعوا له طعامًا آخر فأبى إلا أن يبيت طاويًا حتى لا يتهاون أهله ويعودوا إلى ما كره من أذى الأيتام.
وظل تلك الليلة جائعًا لم يتعش حتى إذا جاء موعد صلاته في جوف الليل قام ليقف بين يدي المولى جل وعلا وأوقد ناره كعادته، أتاه طير كبير وحط بين يديه فلما سلّم من صلاته أخذه وذبحه وأتي بقدر ووضعه على النار فلمّا انتهى من صلاته وجد أن الأكل قد نضج فتعشى قبل ذهابه إلى صلاة الفجر، فلمّا أصبح أبناؤه هرعوا إلى أبيهم ليتفقدوا حاله بعد تلك الليلة التي يظنون أنه بات فيها طاويًا، فلما دخلوا عليه قال لهم أحضروا القدر - وأشار إلى القدر الذي طبخ فيه الطير - وقال لهم كلوا ما بقي فهذا رزق ساقه الله لي من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.
إلى أن قال:
وعائلة (المزيني) فيها من النوابغ ما يشهد لها بالعراقة، فإلى جانب ما ذكرنا من الصفات الحميدة فهناك نوابغ لهم من الأدب والشعر ما يشدُّ الذهن ويسلي الخاطر، ويمكنني في هذا الباب أن أورد بعض القصائد للأخ سليمان بن إبراهيم بن صالح المزيني، إلا أنه تحفظ عن كتابة كل قصائده أو أن أضيفه إلى باب الشعراء من أبناء القصيعة لأنه يتورع عن ذكر وتلميع اسمه على الرغم من قناعتي التّامة أن شعره صافي المورد صادق اللهجة قوي اللفظ، رفيع المقصد، لم يتخلل أبياته الشطحات أو الزلات أو الخنا، ومع هذا فإننا نحترم مشاعر أخينا الأستاذ سليمان المزيني، ونلتزم بشرطه، وسوف نورد مقتطفات من قصائده هنا على سبيل الذكر، والجدير ذكره أن الأخ سليمان أكمل ديوان بعنوان (القصائد الندية في المواعظ الدينية).