للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما كونها مما لم يجمع عليه العلماء فلأن الخلاف حاصل من عصر السلف إلى يومنا هذا، وأما كونها من المسائل الظنية فلأن ما ورد فيها لا تزيد روايته على الآحاد كما أن دلالته ليست صريحة في الدلالة على المقصود ولا هي خالية عن المعارضة بدليل آخر، وذلك أن الدليل الدال على شفعة الجوار هو حديث (الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ) (١) وإن كان صحيحاً فهو أحادي، ويحتمل أن يكون المراد بالجار هو الملاصق مطلقاً أو الملاصق المقيدة ملاصقته بكون الطريق واحدة فيما بين الشيء المشفوع والشيء المشفوع به، أو المراد بالجار إذا كان الجار خليطاً وشريكاً فمن ذهب إلى مشروعية الشفعة بالجوار وهم الهادوية والحنفية عملوا بهذا الحديث لكونه قد أطلق ولم يقيد بجوار لكون الطريق واحدة، ولا بكونه قبل القسمة، ولا بكونه خليطاً، وهو حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم فعملوا بموجبه ومن لم يذهب إلى مشروعية الشفعة بالجوار قيدوه بكون الطريق واحده بدليل حديث (الْجَارُ أَحَقُّ بِشُفْعَتِهِ، يُنْتَظَرُبِهِ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، إِذَاكَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا) (٢) وهذا الحديث أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد والترمذي وصححه فحملوا المطلق على المقيد كما قيدوه بكون ذلك قبل القسمة، أما بعد القسمة فلا شفعة واحتجوا على ذلك بحديث جابر في البخاري وغيره (قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ) فحملوا الحديث المطلق على هذا المقيد أي أنهم لم يثبتوا الشفعة إلا في الخلطة قبل القسمة وقبل تحديد الحدود أو في الجوار إذا كان الجاران مختلطين في الطريق أو في مجاري الماء فمن كان جاراً وليس بخليط ولا شريك في الطريق ولا في طرق الماء كان جاراً مجاوراً فقط وليس بخليط ولا شريك في الطريق ولا في الماء وماله قد حدد بحدود خاصة فله الشفعة بسبب الجوار لأن الجوار أي جوار يكون سبباً للشفعة ما دام ملاصقاً لجاره حيث وهو أحق بسقبه على القول الأول، أما على القول الثاني فلا يكون الجار الملاصق ممن له حق في المطالبة بشفعة إذا لم يكن خليطاً أو شريكاً في الطريق أو في طريق الماء حيث قد دلت الأدلة على اشتراط الخلطة والاشتراك في الطريق أو مسقى الماء وهذا هو القول الراجح لحديث (قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ).

والخلاصة لما جاء في جوابي هذا ينحصر فيما يلي:

أولاً: شفعة الخليط قبل القسمة وقبل تحديد ملك كل واحد ثابتة ومشروعه عند الهادوية والحنفية والشافعية ومالك وأحمد والجعفرية لحديث (قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَالٍ لَمْ يُقْسَمْ: فَإِذَا وَقَعَتْ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتْ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ).

ثانياً: الشفعة بالجوار الذي لم يكن فيه خلطه ولا اشتراك في شيء مشروعه عند الهادوية والحنفية وهو المعمول به قبل الثورة في اليمن.

ثالثاً: الشفعة بالجوار الذي لم يكن فيه خلطه ولا اشتراك في شيء غير مشروعه عند مالك والشافعي وأحمد والجعفرية وهو المعمول به من بعد الثورة إلى يومنا هذا.


(١) صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- برقم (٢٠٩٨).
(٢) - سنن الترمذي: كتاب الأحكام: باب ما جاء في الشفعة للغائب. حديث رقم (١٢٩٠) بلفظ (عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجار أحق بشفعته ينتظر به وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا) صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (١٣٦٩).
أخرجه أبو داود في البيوع، وابن ماجة في الأحكام، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في البيوع.
معاني الألفاظ: الشفعة: أولوية الجار أو الشريك في حق التملك بعوض.

<<  <  ج: ص:  >  >>