بالأصل وهو الجواز لأن الأصل في كل شيء الجواز، وقالوا بأن الحديث ليس بصحيح حتى يكون دليلاً على تحريم أكل لحم القنفذ لكون الراوي له عن أبي هريرة مجهولاً فلا يكون حجة على التحريم وغاية ما يمكن أن يستفاد منه هو الكراهة كما نص على معنى هذا الجلال في (ضوء النهار) واحتج أهل القول الثالث: بالأصل وهو عدم القول بالتحريم أو بالكراهة عملاً بالقاعدة التي يعمل بها الفقهاء وهي أن (الأصل في الأشياء الإباحة) ومن ادعى تحريم أيِّ شيء أو كراهته فعليه الدليل الصحيح الصريح الخالي عن المعارضة، فإن استطاع المحرِّم لأكل لحم هذا الحيوان أو القائل بالجواز مع الكراهة إبراز دليل صريح صحيح كان العمل به وإن لم يستطع كان الرجوع إلى الأصل وهو الإباحة وجواز الأكل هو الواجب، وهذا الحديث الذي احتج به أهل القول الأول على التحريم وأهل القول الثاني على الكراهة غير صحيح عند علماء الحديث لجهالة الراوي عن الصحابي أبي هريرة فسيكون الحديث ضعيفاً كما قاله الخطابي في معالم السنن والبيهقي في السنن وابن حزم في المحلى والدميري في حياة الحيوان وابن حجر في بلوغ المرام والأمير في سبل السلام والشوكاني في السيل الجرار وغيرهم فلا يكون دليلاً على التحريم الذي ذهب إليه أهل القول الأول، ولا يكون دليلاً على القول بالكراهة الذي ذهب إليه أهل القول الثاني، وأما ما قاله الجلال بأن غاية ما يدل عليه هذا الحديث هو الكراهة حيث وهو ليس بصحيح من جهة السند فقد أجاب عنه صاحب (السيل الجرار) بأن الكراهة حكم شرعي والحكم الشرعي لا بد فيه من صحة الدليل الذي يحتج به القائل بالكراهة فإذا لم يصح هذا الحديث من ناحية السند فلا يصح الاحتجاج به على الكراهة، وإن صح السند سيكون دالاً على التحريم لا على الكراهة، هذا معنى ما قاله مؤلف السيل الجرار وكل ما سبق هو بالنسبة إلى من لا يستقذر أكله من الناس الذين يعتبرون أكله ولا يتقززون من ذلك، أما من كان يستقذر أكله فالأحوط له عدم أكله سواء صح عنده هذا الحديث أم لم يصح، هذا والجدير بالذكر أن الدميري مؤلف حياة الحيوان يذهب إلى أن الحديث المذكور ضعيف وعلى فرض صحته لا يكون دليلاً على التحريم لجواز أن يكون الخبث في الحديث هو خبث عمله أي أن القنفذ خبيث في عمله لا أكله كما هو المشاهد والمعروف عنه أنه ينقض على الزرع فيتدحرج بشوكة القوى من طرف الحقل إلى طرفه الآخر فتكسر بفعلها جميع قصب الذرة التي يمر عليها هذا الحيوان الشرس ولا يغادر الحقل حتى يفسد ما فيه من الزرع أو يفسد أكثر ما فيه، الخلاصة أن الدميري قد رد على من احتج بحديث (خبيثه من الخبائث) بوجهين:
الأول: أن الحديث من ناحية الرواية غير صحيح.
الثاني: أن دلالته من ناحية المتن غير صريحة بالمقصود لكون الخبث غير صريح في الدلالة على تحريم الأكل لجواز أن يكون المراد به هو خبث الفعل وهو احتمال بعيد لا يدفع الظهور والأولى الاعتماد على الوجه الأول وهو عدم صحة سند الحديث.
والخلاصة لما جاء في جوابي منحصر فيما يلي:
أولاً: أكل لحم القنفذ حرام عند علي ابن أبي طالب ويحيى بن حمزة عملاً بحديث (خبيثة من الخبائث)
ثانياً: أكل لحم القنفذ جائز مع الكراهة عند الهادوية والجلال لكون الحديث غير صريح فيحمل على الكراهة.
ثالثاً: أكل لحم القنفذ حلال بلا كراهة عند الشافعية وابن حزم والأمير والشوكاني لكون الحديث غير صحيح فلا