للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جـ: ما انهر الدم وأفرى الأوداج أي كان الذبح في محل الذبح المعتاد بحيث سكب الدم وقطع العروق التي ما بين الرقبة والرأس وهو المسمى بالذبح وذلك في جميع الحيوانات ما عدا الإبل فمحله ما بين الرقبة ومقدم الجمل أو الناقة وهو المسمى بالنحر فالمشروع في نحر الإبل أن يكون قطع رقبته على الصفة المشروعة وتكون الرقبة تابعه للرأس، والمشروع في ذبح باقي الحيوانات أن يكون القطع للرأس فقط وتكون الرقبة تابعه لسائر الجسد في جميع الحيوانات، وسواءً كان بالسكين أو بما يقوم مقام السكين من الأشياء الحادة ولو كانت من نوع المكائن الحديثة ما دام والذبح أو النحر وقع على الصفة التي جاء بها الشرع الإسلامي من قطع العروق وإخراج الدم على النعت الوارد في السنة المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام في حديث (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ) (١)، وهذا فيما إذا كان الإنسان قد تحقق أنه كان الذبح على هذه الصفة أو غلب في ظنه أنه كان الذبح على هذه الصفة، أما إذا تشكك الإنسان ولم يعرف هل كان الذبح على الطريقة الإسلامية أو كان بطريقة أخرى لا توافق الطريقة الإسلامية فإنه مع الشك لا يجوز الأكل من هذه الذبيحة، وهكذا إذا كان قد عرف الإنسان أنه لم يذبح على الطريقة الإسلامية فإنه لا يجوز أكلها فبالأولى والأحرى حكم الأكل من الذبيحة التي لا يعرف الإنسان هل الذي تولى ذبحها مسلم أو كتابي أو وثني هل الأكل من هذه الذبيحة جائز أم هو محرَّم شرعاً فالجواب أنه لا يكون إيجابياً على الإطلاق بمعنى أنه جائز مطلقاً وبلا تفصيل ولا يكون سلبياً بمعنى أنه محرَّماً وغير جائز مطلقاً، وإنما ينبغي أن يفصل في هذه الذبيحة التي لم يعرف هل الذابح لها من المسلمين أم من أهل الكتاب أم من الملحدين أم من الوثنيين أم من الشيوعيين أم من المعطلين وذلك التفصيل هو أن نقول لا يخلو إما أن يكون الإنسان قد عرف أن الذي ذبح هذه الذبيحة مسلم أو عرف أن الذي ذبحها كتابي أي يهودي أو نصراني أو عرف أن الذي ذبحها ليس بمسلم ولا كتابي وإنما هو من الكفار المشركين أو الوثنيين أو المعطلين أو الملحدين أو الشيوعيين أو غيرهم من أهل الملل الكفرية التي لا تدين بكتاب، إن كان قد عرف الإنسان أن الذي ذبح هذه الذبيحة مسلم فلا شك في جواز أكلها وهذه مسألة معلومة من الدين ضرورة لا تحتاج إلى استدلال وهذا هو القسم الأول من أقسام الذبائح، وإن كان قد عرف المسلم أنه تولى ذبح هذه الذبيحة كتابي فأكلها جائز شرعاً لأن القرآن قد دل على جواز ذلك في قوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} (٢) ومن جملة الطعام الحلال أكل ذبائحهم كما دل على جواز الأكل أيضاً لذبيحة الكتابي السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام حيث أكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الشاه التي ذبحتها اليهودية في غزوة خيبر في القصة المشهورة الواردة في كتب السنة النبوية في حديث (لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سَمٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اجْمَعُوا لِي مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ الْيَهُودِ فَجُمِعُوا لَهُ، فَقَالَ


(١) - صحيح البخاري: كتاب الذبائح والصيد: باب إذا أصاب قوم غنيمة فذبح بعضهم غنما. حديث رقم (٥٥٤٣) بلفظ (عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، قَالَ: قُلْتُ: لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّنَا نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى، فَقَالَ: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلُوهُ مَا لَمْ يَكُنْ سِنٌّ وَلَا ظُفُرٌ، وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ، أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفْرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ، وَتَقَدَّمَ سَرَعَانُ النَّاسِ فَأَصَابُوا مِنْ الْغَنَائِمِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي آخِرِ النَّاسِ فَنَصَبُوا قُدُورًا فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ، وَقَسَمَ بَيْنَهُمْ وَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ، ثُمَّ نَدَّ بَعِيرٌ مِنْ أَوَائِلِ الْقَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ خَيْلٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، فَقَالَ إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا فَعَلَ مِنْهَا هَذَا فَافْعَلُوا مِثْلَ هَذَا).
أخرجه مسلم في الأضاحي، والترمذي في الأحكام والفوائد، والنسائي في الضحايا. وأبوداود في الضحايا، وابن ماجة في الأضاحي، وأحمد في مسند المكيين، والدارمي في الأضاحي.
أطراف الحديث: الشركة الجهادوالسير.
معاني الألفاظ: المدية: السكين. أنهر: أسال وصب. أوابد: نافرة متوحشة. ند: هرب ونفر.
(٢) المائدة: آية (٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>