للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنا أن نصدق أيِّ طبيب يقول لنا أن الخمر قد يكون دواء بعدما قال لنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم أنه (ليس بدواء ولكنه داء) فهل نصدق الطبيب أن هناك أمراض لا علاج لها غير المسكر ونكذب النبي الذي لا ينطق عن الهوى الذي قال إنه ليس بدواء ولكنه داء، وإذا كان الشاعر قد قال:

إذا قالت حذام فصدقوها … فإن القول ما قالت حذام

فنحن نقول:

إذا قال الرسول فصدقوه … فإن القول ما قال الرسول

كيف لا وهو رسول رب العالمين، وخاتم الأنبياء والمرسلين، وهو الصادق المصدوق، والنبي المعصوم فصلوات الله عليه وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.

فهذا الحق ليس به مرا … فدعي من بنيات الطريق

وخصوصاً أن الأبحاث الطبية الأخيرة قد أثبتت أن الأشربة التي تسكر ليس فيها أيُّ دواء لأيِّ مرض من الأمراض على الإطلاق كما نص على معنى ذلك الدكتور محمد علي البار في كتابه (الخمر بين الطب والفقه) وقرر المؤتمر الدولي الحادي والعشرين لمكافحة المسكرات المنعقد في (هلسنكي) ١٩٣٩ م أن الطبيب الذي يصف لمريضه شيئاً من الخمر يعتبر في عرف هذا المؤتمر طبيباً متأخراً في فنه بضعة عشر عاما كما في كتاب (نظرية الضرورة الشرعية للعلامة جميل محمد مبارك نقلاً عن كتاب الخمر بين الإسلام والقوانين الوضعية) وعلى هذا الأساس يكون التداوي بالمسكر محرًما من باب سد الذرائع وقد صرًح كثير من الفقهاء في باب الأطعمة والأشربة من كتب الفقه بتحريم التداوي بالمسكر وذلك كالعلامة المهدي في الأزهار وهو على المذهب الهادوي كما سبقه غيره من علماء المذهب الهادوي والمالكي والحنبلي كما في تفسير العلامة القرطبي المالكي الذي نسب هذا القول إلى المذهب المالكي وكما في كتاب (زاد المعاد) للعلامة ابن القيم الحنبلي الذي نسبه إلى المذهب الحنبلي كما في (زاد المعاد) وممن صرح بذلك من علماء اليمن المجتهدين شيخ الإسلام الشوكاني كما في (السيل الجرار) وقد خالف في المسألة بعض العلماء ورجحوا جواز التداوي بالمسكر للضرورة مستدلين بالأدلة الدالة على أن الضرورات تبيح المحظورات كقوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (١) وغيرها من الآيات الدالة على إباحة المحرًمات عند الضرورات وأجابوا عن الأدلة التي احتج بها الأولون بحملها على غير الضرورة، قالوا أما إذا اضطر المسلم إلى المعالجة بالمسكر فلا مانع من المعالجة للضرورة للأدلة الدالة على أن الضرورات تبيح المحرًمات كالآية السابقة وغيرها، وفي لفظ آخر عند أحمد وابن ماجه (إن ذلك ليس بشفاء) (٢) أي ليس بشاف وهذا الحديث مؤكد لما قد سبق في حديث أبي هريرة المرفوع (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ) (٣) فكيف يكون الشئ الواحد خبيثاً ويكون دواء شافياً فهذه الأدلة تدل على عدم جواز التداوي بأيِّ مسكر وعلى أيِّ صفة وفي كل حالة من الحالات وخصوصاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عن ذلك إلا بعد أن أوضح له السائل بأنه للدواء لا لشيء آخر ولا سيما


(١) البقرة الآية: (١٧٣).
(٢) صحيح مسلم: سبق ذكره في هذا الباب من حديث طارق بن سويد الجعفي رضي الله عنه برقم (٣٦٧٠).
(٣) سنن الترمذي: كتاب الطب عن رسول الله: باب ما جاء في من قتل نفسه بسم أو غيره. حديث رقم (١٩٦٨) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الدَّوَاءِ الْخَبِيثِ قَالَ أَبُو عِيسَى يَعْنِي السُّمَّ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة برقم (٢٠٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>