للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معاهداً يأثم لحديث (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا) (١) والمسلم لا يقتل قصاصاً بالكافر ولكن يجب عليه إخراج دية الكافر مع الإثم خلافاً لأبي حنيفة الذي يجوز قتل المسلم بالكافر، وقد حصلت قصة أيام هارون الرشيد حيث حكم القاضي أبو يوسف بقتل مسلم بكافر عملاً بمذهب أبي حنيفة فضج أهل بغداد احتجاجاً على حكم القاضي أبو يوسف فاستدعى الخليفة هارون الرشيد القاضي أبا يوسف وسأله فأخبره القاضي بالحكم وبأنه حكم على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة، فقال الرشيد للقاضي تدارك الأمر لكي لا يؤدي إلى فتنة فسأل القاضي أبو يوسف هل كان الذمي المقتول يدفع الجزية للدولة وطلب البراهين على دفعه للجزية فعجزوا عن الإثبات ببرهان على دفع الذمي الجزية للدولة الإسلامية وثبت لدى القاضي أن الكافر المقتول ليس ذمياً لأن الذمي هو الذي يدفع الجزية للدولة الإسلامية، فحكم بإبطال حكم القصاص وحكم بدفع دية الكافر لكن الذي يقتل الذمي أو المعاهد فهو آثم لورود الوعيد الشديد من النبي -صلى الله عليه وسلم- على من قتل المعاهد.

س: إذا قتل المسلم كافراً في بلدة إسلامية وهو في حمايتها هل يقاص أم لا؟ وإذا كان الكافر قد دخل البلاد سائحاً وقتل فما هو الوجه الشرعي في ذلك؟ كذلك إذا قتل الكافر مسلماً وهو في بلده وهو تحت حمايته فهل يقاص به أم لا؟

جـ: إذا قُتل الكافر المعاهد فلا قصاص بين الكافر والمسلم ولا يقتل المسلم بالكافر ولو كان القتل عمداً وليس معنى هذا أن قتل المسلم الكافر المعاهد لا إثم فيه بل عليه إثم عظيم لحديث (مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا)، والدليل على أنه لا يقتل المسلم بكافر معاهد حديث امير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مرفوعاً إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (ولَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ) (٢) كما في صحيح البخاري وغيره، كما أن الدليل في قتل المسلم الكافر المعاهد وزر حديث (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (٣) أخرجه أبو داود بسند حسن كما أخرجه البيهقي أيضاً بزيادة هي وأشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بإصبعه إلى صدره فقال (ألا ومن قتل معاهداً له ذمة


(١) - صحيح البخاري: كتاب الجزنية والموادعة: باب إثم من قتل معاهداً بغير جرم. حديث رقم (٢٩٣٠) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا).
أخرجه النسائي في القسامة، وابن ماجة في الديات، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.
أطراف الحديث: الديات.
(٢) - صحيح البخاري: كتاب الديات: حديث رقم (٦٩١٥) بلفظ (عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: قُلْتُ: لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ هَلْ عِنْدَكُمْ كِتَابٌ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا كِتَابُ اللَّهِ أَوْ فَهْمٌ أُعْطِيَهُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ أَوْ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ؟؟ قَالَ: الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الْأَسِيرِ، وَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ).
أخرجه مسلم في الحج، العتق، والترمذي في الديات، الولاء والهبة، والنسائي في القسامة، وأبو داود في المناسك، الديات، وابن ماجة في الديات، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، والدارمي في الديات.
أطراف الحديث: الحج، الجهاد والسير، الجزية والموادعة، الفرائض، والديات، الاعتصام بالكتاب والسنة.
معاني الألفاظ: العقل: تعويض مالي مقدر شرعاً مقابل قتل أو جرح ما يخلص به من الأسر.
(٣) - سنن أبي داود: كتاب الخراج والإمارة والفيء: باب في تعشير أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات. حديث رقم (٢٦٥٤) بلفظ (حَدَّثَنِي أَبُو صَخْرٍ الْمَدِينِيُّ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ سُلَيْمٍ أَخْبَرَهُ عَنْ عِدَّةٍ مِنْ أَبْنَاءِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ آبَائِهِمْ دِنْيَةً عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود برقم (٣٠٥٢).
انفرد به أبو داود.
معاني الألفاظ: دنية: لا صقوا ومتصلوا النسب. المعاهد: من بينه وبين المسلمين عهد. الحجيجـ: الخصم الغالب بالحجة والبرهان.

<<  <  ج: ص:  >  >>