للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

، وهكذا حرم النبي -صلى الله عليه وسلم- اختلاط الرجال بالنساء في جماعة الصلاة فضلاً عن غيرها من المجالس والمجتمعات كما في حديث (فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ) (١) وهكذا يشترط ألا يكون السلام سبباً لإساءة الظن به لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن رآه يتكلم مع زوجته (إنها صفيةُ بنتُ حُيَيّ. فقالا: سبحانَ اللهِ يا رسولَ اللهِ، قال: إن الشيطانَ يجري من الإنسانِ مَجرى الدمِ، وإني خَشِيتُ أن يَقذِفَ في قلوبكما سوءاً، أو قال: شيئاً) (٢).

والخلاصة: هي أن السلام الجائز هو المجرد عن كل شيء والذي لا يعقبه موعد ولا مصافحه ولا خلوه ولا اختلاط ولا لمس ولا فتنة ولا سوء الظن به من أحد، أما إذا كان هناك شيئاً من هذه الأشياء فذلك غير جائز شرعاً، فالإسلام قد حرَّم على الرجال أن يختلطوا بالنساء كما حرَّم على النساء أن يختلطن بالرجال في جماعة الصلاة التي هي من أهم العبادات بل هي أهمها حيث أمر ألا تكون النساء في الصفوف مختلطة بالرجال في جماعة الصلاة التي هي من أهم العبادات بل هي أهمها حيث أمر أن يكون الرجال في الصفوف الأولى، وأن تكون النساء في الصفوف الأخرى، وحرَّم على المرأة المصلية أن تتخلل صفوف الرجال أو تتقدم عليهم وبالأولى والأحرى أنه يحرم على المرأة أن تختلط بالرجال أو على الرجال أن يختلطوا بالنساء في غير الصلاة، فإذا كان الرجل سيسلم على المرأة أو على النساء ثم يختلط بهن فإن السلام حينئذ غير جائز شرعاً لا لذات السلام بل لما يعقبه من الاختلاط المحرَّم شرعاً، أما إذا كان الرجل سيسلم على المرأة أو على النساء ولا يعقب السلام أيُّ اختلاط فذلك جائز شرعاً كما أن الإسلام يدعو المسلم إلى أن يهتدي بهدي الرسول -صلى الله عليه وسلم- والرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يصافح النساء الأجنبيات وفي الحديث الصحيح (وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ) (٣) فإذا كان السلام من الرجل على المرأة الأجنبية مجرداً عن المصافحة فهو مشروع وإن كان السلام منه


(١) - صحيح البخاري: كتاب الصلاة: باب الصلاة على الحصير. حديث رقم (٣٨٠) بلفظ (عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ، دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَلِأُصَلِّ لَكُمْ، قَالَ: أَنَسٌ فَقُمْتُ إِلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَفْتُ وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ انْصَرَفَ)
أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، والترمذي في الصلاة، والنسائي في المساجد، وأبو داود في الصلاة، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في النداء للصلاة، والدارمي في الصلا ة.
معاني الألفاظ: نضح: رش.
(٢) صحيح البخاري: كتاب بدء الخلق: باب صفة إبليس وجنوده. حديث رقم (٣٢١١) بلفظ (عن صفيةَ بنتِ حُيَيّ قالت: كان رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- مُعتكفاً، فأتَيتُهُ أزورُهُ ليلاً، فحدَّثُته ثم قمتُ فانقلبتُ، فقامَ معي ليَقلبَني، وكان سكُنها في دار أسامةَ بن زيدٍ، فمرَّ رجلانِ منَ الأنصارِ، فلما رأيا النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أسرَعا فقال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: على رسلكما، إنها صفيةُ بنتُ حُيَيّ. فقالا: سبحانَ اللهِ يا رسولَ اللهِ، قال: إن الشيطانَ يجري من الإنسانِ مَجرى الدمِ، وإني خَشِيتُ أن يَقذِفَ في قلوبكما سوءاً، أو قال: شيئاً).
أخرجه مسلم السلام، وأبو داود في الصوم، الأدب، وابن ماجة في الصيام وأحمد في باقي مسند الأنصار، والدارمي في الصوم.
أطراف الحديث: الاعتكاف، فرض الخمس، الأدب، الأحكام.
معاني الألفاظ: ليقلبني: يصحبني إلى منزلي. على رسلك: تأن وتمهل.
(٣) صحيح البخاري: كتاب الشروط: باب ما يجوز من الشروط في الإسلام والأحكام والمبايعة. حديث رقم (٢٥١٢) بلفظ (أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُخْبِرَانِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لَمَّا كَاتَبَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو يَوْمَئِذٍ كَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ لَا يَأْتِيكَ مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلَّا رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ فَكَرِهَ الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامْتَعَضُوا مِنْهُ وَأَبَى سُهَيْلٌ إِلَّا ذَلِكَ، فَكَاتَبَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- َ عَلَى ذَلِكَ فَرَدَّ يَوْمَئِذٍ أَبَا جَنْدَلٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ يَأْتِهِ أَحَدٌ مِنْ الرِّجَالِ إِلَّا رَدَّهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا، وَجَاءَتْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ وَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَئِذٍ وَهِيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ فَلَمْ يَرْجِعْهَا إِلَيْهِمْ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِنَّ إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ إِلَى قَوْلِهِ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ، قَالَ عُرْوَةُ: فَأَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَمْتَحِنُهُنَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ إِلَى غَفُورٌ رَحِيمٌ، قَالَ عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ أَقَرَّ بِهَذَا الشَّرْطِ مِنْهُنَّ قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدْ بَايَعْتُكِ كَلَامًا يُكَلِّمُهَا بِهِ، وَاللَّهِ مَا مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امْرَأَةٍ قَطُّ فِي الْمُبَايَعَةِ وَمَا بَايَعَهُنَّ إِلَّا بِقَوْلِهِ).
أخرجه النسائي في مناسك الحج، وأبو داود في المناسك، الجهاد، السنة، وابن ماجة في الجهاد، وأحمد في أول مسند الكوفيين.
أطراف الحديث: الحج، الشروط، المغازي.
معاني الألفاظ: امتعضوا: شق عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>