من يقول أن أول من أمرت بوضع هذا النعش المرتفع الذي يعمله الناس على سرير المرأة عند حملها إلى المقبرة هي (أم أيمن) عند قدومها من الحبشة وليست (أسماء) وهي رواية شاذة ذكرها (السيوطي) رحمه الله في مسامرة الأوائل عن طارق بن شهاب رحمه الله، وعلى كل حال فهذه الكيفية التي تعمل على نعش المرأة هي قديمة في الإسلام، يرجع تاريخها إلى عصر الخلفاء الراشدين سواء كانت المشير بها هي أسماء بنت عميس أو أم أيمن رضي الله عنها أو غيرهما، وسواء كانت (فاطمة) الزهراء هي أول من عمل لها هذا النعش المرفوع سقفه أم هي (زينب بنت جحش أم المؤمنين) رضي الله عنها، وأما أنها عملت لأم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي توفت في السنة التاسعة أو لرقية بنت النبي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام التي كانت قد توفت في رمضان من السنة الأولى وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر أسماء بنت عميس أو أمرها بذلك العمل بعد ما أشارت عليه فيحتاج الباحث إلى تصحيح الروايتين ولا اظن هاتين الروايتين صحيحتين ولو فرضنا أنهما صحيحتان لكانت الكيفية هذه من السنة النبوية لأنها ستكون من قسم أقوال النبي حيث أمرها بذلك العمل بقوله (اجعليه) في الحديث الذي حكا هذا الفعل عن أسماء عند موت رقية رضي الله عنها أو من قسم التقرير كما في الحديث الذي حكا هذا الفعل عن أسماء في موت أم كثلوم ولكن هيهات إن يصح هذان الحديثان ولا سيما الحديث الذي حكته أسماء أنها عملته عند موت (رقية) فهو لا يصح من الناحية التاريخية قبل الناحية الحديثية، وذلك لكون (أسماء بنت عميس) عند موت رقية في رمضان سنة (٢) من الهجرة كانت في أرض الحبشة حيث وقد كانت هاجرت مع زوجها (جعفر بن أبي طالب) قبل الهجرة إلى المدينة بعدة أعوام كما لا يخفى على من له اطلاع بكتب السير والتاريخ،
وأيضاً لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند موت ابنته (رقية) ودفنها في المدينة موجوداً في المدينة بل كان صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ في بدر الكبرى وقد كان وصول رسول النبي إلى المدينة مبشراً بانتصار النبي والمسلمين على كفار قريش عقيب دفن عثمان رضي الله عنه ومن حضر معه جثمان زوجته رقية في مقبرة البقيع، أي أن حديث أمر النبي أسماء بنت عميس بأن تعمل على جنازة ابنته رقيه نعشاً مستنماً حسب رأيها ستراً لها من أن يظهر حجم جسدها لا يصح لأمرين:
الأول: أن (أسماء بنت عميس) كانت في تاريخ موت رقية في بلاد الحبشة وموت رقية كان في المدينة سنة اثنتين من الهجرة.
الثاني: هو أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن حال وفات رقية في المدينة بل كان في (بدر) لأنها ماتت وهو غائب عنها في بدر ودفنت قبل رجوعه من بدر.
والخلاصة لما جاء في كلامي هذا ينحصر فيما يلي:
أولاً: القبة المستطيلة التي توضع فوق (جنازة المرأة) تسمى النعش المرتفع.
ثانياً: أول من أمر أن تُصنع هذه القبة على القول المشهور (أسماء) وقيل أنها (أم أيمن) رضي الله عنها.
ثالثاً: كانت أول امرأة حملت على نعش هي (فاطمة) الزهراء على القول المشهور وقيل أنها (زينب بنت جحش أم المؤمنين) رضي الله عنها.
رابعاً: قد أحسن من جمع بين القولين فقال إن أول من حملت على هذا النعش (فاطمة) أيام أبي بكر ثم (زينب) أيام عمر رضي الله عنهم.
خامساً: ما روى أن أول من حملت على مثل هذا النعش المرتفع سقفه هي (أم كلثوم بنت النبي) صلى الله عليه وآله وسلم محتاج إلى تصحيح روايته.