للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} (١) على أساس أن (الواو) تقتضي الترتيب وأن هذا الحمد هو التوجه الصغير الذي يقال بعد التوجه الكبير وأن التكبير المذكور في الآية هو تكبيرة الإحرام التي في أول الصلاة قالوا ومعناها أن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه -صلى الله عليه وسلم- أن يقول في التوجه {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} وبعد أن يقول هذا القول يقول الله أكبر مكبراً للإحرام ولكن هذا الإستدلال غير صحيح وهذا التفسير على هذه الصفة غير صحيح أيضاً لوجوه:

أولاً: إن هذا الإحتجاج مبني على أن المراد بقول الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} من جملة التوجهات الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ولكنه لم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمر المصلي بأن يتوجه بهذا التوجه أو رغب فيه أو توجه به أو أقرَّ أحداً بأن يتوجه بهذا التوجه لا بسند صحيح ولا حسن ولا ضعيف لا من قوله ولا من فعله ولا من تقريره، فلا يصلح هذا الإحتجاج على دعوى أن التوجه يكون قبل تكبيرة الإحرام.

ثانياً: إن هذا الإحتجاج مبني على أن المراد بقوله تعالى {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} بمعنى وكبر تكبيرة الإحرام للصلاة وهذا لا دليل عليه، والظاهر أن معناه وعظمه تعظيماً.

ثالثاً: إن هذا الإحتجاج مبني على أن (الواو) تقتضي الترتيب وأن قوله تعالى چ ? ?چ بعد قوله چ? ? الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} يدل على أن التكبير يكون بعد التوجه وأن التوجه قبل تكبيرة الإحرام والصحيح الذي قرره علماء النحو أن (الواو) تقتضي مطلق الجمع فقط ولا تقتضي الترتيب وأن الذي تفيد الترتيب هي (الفاء) و (ثم) لا غيرهما، واحتج القائلون: بأن التوجه بعد تكبيرة الإحرام بالحديث الذي أخرجه مسلم رحمه الله من حديث علي بن أبي طالب كرم الله وجهه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتوجه بعد تكبيرة الإحرام بقوله (وجهت وجهي) (٢) إلى آخر الحديث وليس فيه {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} كما احتجوا أيضاً بالحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يتوجه بعد تكبيرة الإحرام بقوله -صلى الله عليه وسلم- (اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنْ الخطأيَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ


(١) الإسراء: آية (١١١).
(٢) صحيح مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها: باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه. حديث رقم (٧٧١) بلفظ (عن علي بن أبي طالب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه كان إذا قام إلى الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت أنت ربي وأنا عبدك ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي جميعا إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت، لبيك وسعديك والخير كله في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت أستغفرك وأتوب إليك، وإذا ركع قال: اللهم لك ركعت وبك آمنت ولك أسلمت خشع لك سمعي وبصري ومخي وعظمي وعصبي، وإذا رفع قال: اللهم ربنا لك الحمد ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، وإذا سجد قال: اللهم لك سجدت وبك آمنت ولك أسلمت سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره تبارك الله أحسن الخالقين، ثم يكون من آخر ما يقول: بين التشهد والتسليم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت وما أنت اعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت).
أخرجه الترمذي في الصلاة، الدعوات عن رسول الله، والنسائي في الافتتاح، وأبو داود في الصلاة، وابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، والدارمي في الصلاة.
معاني الألفاظ: فطر: خلق و أنشأ من العدم. حنيفأ: مائلاً عن الباطل إلى التوحيد. نسكي: من النسك وهو الذبح تقرباً وطاعة لله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>