للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن ابن عمر رضي الله عنهما والثاني عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وأحاديث أخرى تدل على أن صلاة الفذ صحيحة ولكنها مفضولة وأن الجماعة سنة مؤكدة وليست بواجبة ومنها الحديث الذي قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيه للرجلان اللذان وصلا والنبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس فلم ينظما إلى الجماعة بل جلسا والنبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس بحجة أنهما قد صليا قال لهما (إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة) (١)، و من أدلة القائلين بأنها سنة لا واجبة حديث أبي موسى مرفوعاً إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنه قال (أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ) (٢) وهو في البخاري ومسلم، وهذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث الدالة على أن صلاة المسلم فرادى جائزة ولكنها مفضولة، ومهما يكن فمن اطلع على ما ورد من الأحاديث في موضوع صلاة الجماعة يجدها شبه متعارضة حيث وبعضها يدل على وجوب صلاة الجماعة كالأحاديث المنقولة عن الذهبي وغيرها من الأحاديث الدالة على الوجوب، ومنها أحاديث تدل على أنها سنة مؤكدة كما في الأحاديث التي ذكرتها في جوابي هذا، فكان الجمع بين الأدلة المتعارضة أنها سنة مؤكدة وذلك بتأويل الأدلة الدالة على الوجوب والعمل بالأدلة الدالة على السنية جمعاً بين الأدلة كما عمل الشوكاني مرجحاً مذهب مالك وأبي حنيفة والهادي والإمام زيد بن علي وغيرهم ممن يذهبون إلى عدم وجوب الجماعة وهو الذي رجحته في جوابي السابق، كما أن القائلين بالوجوب قد عملوا بالأحاديث التي ذكرتها في سؤالك نقلاً عن الذهبي وغيرها مما يدل على الوجوب وأول الأحاديث الدالة على السنة كما عمله الألباني في كتابه (تمام المنة) ترجيحاً إلى ما ذهب إليه مالك وأحمد وداود وغيرهم من القائلين بألا يتخذ المصلي التخلف عن الجماعة خلقاً وعادة حيث لا يرى في أيِّ مسجد من المساجد كما هو رأي الحنفية، ولقد روي عن شيخ الإسلام في الدولة العثمانية في أيام قوتها رد شهادة (السلطان) ولم يعمل بموجبها ولم يحكم لمن كان السلطان قد شهد في صالحه فلما علم السلطان سأله عن المانع من الحكم بموجب تلك الشهادة فأفاد القاضي لأن (السلطان) يصلي في قصره فرادى دائماً على جهة الاستمرار وعلماء الحنفية أو بعضهم يجرحون عدالة من اعتاد الصلاة فرادى ولو كان حاكماً، فأمر (السلطان) بعمارة مسجد في حديقة داره وكان يحضر هو وعسكره وخدامه للصلاة جماعة خلف إمام عينه لهذا الغرض، ثم أتى يشهد لشخص في قضية شرعية ينظر ما سيكون من القاضي المذكور وفعلاً حكم القاضي بموجب الشهادة فلما سئل عن اختلاف رأيه في شهادة (السلطان) أجاب المانع من قبول الشهادة في المرة الأولى قد زال.

والخلاصة:

١ - مسألة حكم صلاة الجماعة فيها خلاف قيل أنها واجبة وقيل أنها سنة مؤكدة.


(١) - سنن الترمذي: كتاب الصلاة: باب ماجاء في الرجل يصلي وحده ثم يدرك الجماعة. حديث رقم (٢٠٣) بلفظ (عن جابر بن يزيد ابن الأسود العامري عن أبيه، قال: شهدت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حجته فصليت معه صلاة الصبح في مسجد الخيف، قال: فلما قضى صلاته وانحرف إذا هو برجلين في أخرى القوم لم يصليا معه فقال: علي بهما، فجيء بهما ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ فقالا: يا رسول الله إنا كنا قد صلينا في رحالنا، قال: فلا تفعلا إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم، فإنها لكما نافلة). صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (٢١٩).
أخرجه النسائي في الإمامة، وأحمد في مسند الشاميين.
معاني الألفاظ: الفريصة: لحمة بين الكتف والصدر. … الرحال: البيوت والمنازل.
(٢) - صحيح البخاري: كتاب الأذان: باب فضل صلاة الفجر في جماعة. حديث رقم (٦٥١) بلفظ (عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى، وَالَّذِي يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ حَتَّى يُصَلِّيَهَا مَعَ الْإِمَامِ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ الَّذِي يُصَلِّي ثُمَّ يَنَامُ)
أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة.

<<  <  ج: ص:  >  >>