للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلاة المفترض خلف المتنفل بحديث (لا تختلفوا على إمامكم) وقد أجاب عليه الشوكاني بأنه ليس المراد بقوله (لا تختلفوا على إمامكم) هو الاختلاف في النية بأن تكون نية الإمام التنفل ونية المؤتم أداء الفرض بل المراد هو مخالفته في (الأفعال) وذلك بأن يقوموا بعد قيامه ويسجدوا بعد سجوده ويركعوا بعد ركوعه وأن لا يخالفوه في الركوع والسجود والقيام بحيث يقومون قبله أو يسجدون قبله أو يسجد الإمام فلا يتابعوه في السجود فوراً بل يتراخون عن متابعته إلى آخر ما قاله الشوكاني في (نيل الأوطار) وفي (السيل الجرار) وهذا بناءً على أن الحديث قد ورد في كتب الحديث بهذا اللفظ، والظاهر أنه لم يرد هذا الحديث في كتب السنة بهذا اللفظ، بل الوارد في كتب السنة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا) (١) إلى آخر الحديث، كما أشار إلى مثل هذا الكلام الحافظ الضمدي في تخريج الشفاء، واحتج القائلون بجواز صلاة المفترض خلف المتنفل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أقر معاذ بن جبل وأصحابه حيث كان يصلي بهم حالة كونه متنفلاً وكان أصحابه الذين كانوا يصلون خلفه مفترضين في حديث (كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَؤُمُّ قَوْمَه) (٢)، وقد أجاب المانعون من صلاة المفترض خلف المتنفل بأن الحديث الذي اتفق على إخراجه البخاري ومسلم لم يصرح بأن معاذاً كان متنفلاً وأن أصحابه كانوا مفترضين بل صرح بأنه كان يصلى خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم يأتي قومه فيصلى بهم ولم يصرح في الصحيحين بأن صلاته مع رسول الله كانت هي الفريضة وصلاته بأصحابه كانت هي النافلة، وحيث لم يصرح في الحديث المتفق عليه فالحديث يحتمل بأن تكون هي الأولى وأن تكون هي الثانية ومع وجود الإحتمال يسقط الإستدلال كما قالوا في الزيادة التي رويت في هذا الحديث خارج الصحيحين التي صرح فيها الراوي بقوله (هي لهم فريضة وله تطوع) زيادة غير صحيحة من ناحية الإسناد، ورد عليهم القائلون بالجواز بأن الحديث الصحيح المتفق عليه عند الشيخين قد صرح بأن معاذاً كان يصلي مرتين مرة خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- ومرة إماماً بأصحابه، والظاهر أن الفريضة هي الأولى التي كان يصليها خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- وأن النافلة هي الثانية التي كان يصليها بقومه وذلك للآتي:

أولا: لأن الصلاة الأولى كانت في أول الوقت والصلاة الثانية كانت في أثناء الوقت ولا يتصور أن (معاذاً) يؤخر صلاة الفرض من أول وقتها إلى أثناء وقتها لأجل أن يصلي بهم وهو يعلم أن أفضل الوقت أوله.

ثانياً: كانت الصلاة الأولى خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي الفريضة لأنه لا يتصور أن يجعل (معاذ بن جبل) الصلاة خلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هي النافلة وصلاته بقومه الأعراب هي الفريضة.

ثالثاً: أن الصلاة الأولى كانت في جماعة كبيرة والصلاة الثانية كانت في جماعة قليله فلا يتصور أن (معاذ بن جبل) يجعل الصلاة التي في جماعة كبيره هي النافلة والتي في الجماعة القليلة هي الفريضة مع ما دلت عليه الأدلة الصحيحة أن الصلاة مع الجماعة الكبيرة أفضل من الجماعة الصغيرة كما في حديث (وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى) (٣).


(١) صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (٧٢٢).
(٢) - صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عمرو رضي الله عنه برقم (٧٠١).
(٣) - سنن أبي داود: كتاب الصلاة: باب في فضل صلاة الجماعة. حديث رقم (٥٥٤) بلفظ (عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا الصُّبْحَ فَقَالَ: أَشَاهِدٌ فُلَانٌ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: أَشَاهِدٌ فُلَانٌ قَالُوا لَا، قَالَ: إِنَّ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ أَثْقَلُ الصَّلَوَاتِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَيْتُمُوهُمَا وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الرُّكَبِ، وَإِنَّ الصَّفَّ الْأَوَّلَ عَلَى مِثْلِ صَفِّ الْمَلَائِكَةِ وَلَوْ عَلِمْتُمْ مَا فَضِيلَتُهُ لَابْتَدَرْتُمُوهُ، وَإِنَّ صَلَاةَ الرَّجُلِ مَعَ الرَّجُلِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ وَحْدَهُ، وَصَلَاتُهُ مَعَ الرَّجُلَيْنِ أَزْكَى مِنْ صَلَاتِهِ مَعَ الرَّجُلِ، وَمَا كَثُرَ فَهُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى) وقد حسنة الألباني في صحيح السنن بنفس الرقم.
أخرجه النسائي في الإمامة، وأحمد في باقي مسند الأنصار.
معاني الألفاظ: ابتدر: سابق وتنافس.

<<  <  ج: ص:  >  >>