للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النافعة، وبعضها نافع لمن يطالعها في دنياه كـ (علم الطب والهندسة) وغيرهما من العلوم التي ينتفع المطلع عليها في دنياه بل قد ينتفع بها في دينه ودنياه إذا أتقن العمل ونوى به النفع للناس، فمن درس كتب (الطب) وحقق مسائل هذا الفن ناوياً به معالجة المرضى وإسعاف الجرحى وإغاثة المصابين كان له في ذلك الأجر والثواب لقوله صلى الله عليه وآله وسلم (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) (١) والإسلام دين العمل لا دين الأمل والإسلام دين الحقيقة لا دين الخيال، والله سبحانه وتعالى يحب أن يرى المسلم شجاعاً متوكلاً على الله لا يخاف غير الله، وبالعمل والشجاعة والتوكل على الله انتصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه على المشركين، وهكذا انتصر الصحابة والتابعون على أعدائهم من الفرس والروم والقبط والقوط وغيرهم من الأمم والشعوب وكانت الحرب بينهم وبين أعدائهم سجالاً والعاقبة للمسلمين، ولو كان الصحابة والتابعون يطالعون كتب المنجمين أو يتصلون بأهل الرمل أو العرافين لاتكلوا على النصر الذي سيزعمه المنجم وتركوا الاستعداد للعدو والتضحية بأرواحهم في النصر على الأعداء وعاشوا على الخيال إلى أن يقضي العدو عليهم كما أنهم لو أخبروا عن المستقبل بأنه في غير صالحهم لذلوا وخافوا وأصبحوا في هم وحزن وتوقع للشر قبل وقوعه وأعانوا العدو على أنفسهم بالخوف المتوقع وبالانتظار للهزيمة المزعومة والفشل الموهوم لأن من طالع كتب المنجمين لا بد وأن يصبح خائفاً من شيء متوقع أو مرتاحاً لشيء منتظر.

وبعض الكتب قد لا يكون فيها أجر ولا منفعة لمن يطالعها لا دينية ولا دنيوية مثل الكتب التي تحتوي على النوادر والمضحكات فمثل هذه الكتب مطالعتها من المباحات لا من الواجبات ولا من المحرمات، أما كتب الرمل والنجوم فليس فيها أيُّ نفع لمن يطالعها لا في الدين ولا في الدنيا كما أن مطالعتها ليس فيها أيُّ تسلية أو رياضة للفكر أو شحذ للذهن وإنما الذي ينتج من مطالعتها الذل والخور والخوف وتوقع الشر، كما ينتج في بعض الأحيان من المطالعة لها أن يعيش من طالعها على الخيال والأمل والأماني ويترك العمل ركوناً على السعادة التي قد تخيلها من كلام المنجم أو العراف أو صاحب الرمل أو غيرهم ممن يتدخل بين ابن آدم وبين المستقبل بادعائه معرفة ما سيكون قبل أن يكون، ولا عيش لمن كان خائفاً متوقعاً حدوث الشر عليه كما أنه لا عيش لمن يعيش على الأمل والخيال ولا سيما إن كان المطلع ضعيف الإرادة أو كان من المؤمنين بما يقوله المنجمون والعرافون لا جرم أنه سيقضي على مستقبله بأن يترك العمل منتظراً الخير الموهوم أو يعيش في خوف وقلق وهم وتوقع للشر المزعوم لأن ما يقوله المنجم على حالين: إما أنّه سيكون الشر واقعاً فسيكون المرء معذباً بالتوقع أكثر من عذابه بالشر عند وقوعه، وإما أنه سيكون قول المنجم كذباً وغير واقع فسيكون المرء معذباً بشيء لا أصل له في الواقع بل بشيء لم يقع ولن يقع، هذا إن كان المنجم قد أخبر بشر في المستقبل، أما إذا كان قد اخبر بخير فسيكون المصدق له أسيراً لهذا الخير فيترك العمل ويعتمد على قول المنجم الذي قد يكون صادقاً وقد يكون كاذباً وقد يكون مريداً بكلامه معنى ويفسر المطلع هذا الكلام بمعنى آخر غير


(١) صحيح البخاري: كتاب بدء الوحي: كيف كان بدء الوحي. حديث رقم ١ - بلفظ (أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ).
أخرجه مسلم في الإمارة، والترمذي في فضائل الجهاد، والنسائي في الطهارة، والطلاق، والأيمان والنذور، وأبو داود في الطلاق، وابن ماجة في الزهد، وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة.
أطراف الحديث: الإيمان، العتق، المناقب، النكاح، الأيمان والنذور، الحيل.
معاني الألفاظ: النية: القصد وعزم القلب على الفعل. … يصيب: ينال والمراد تحصيل أسباب العيش.

<<  <  ج: ص:  >  >>