الوجه الثالث: أن لمس العورة حرام فكيف يجوز لمس العورة الذي هو حرام لأجل أن نعمل عملاً ليس بواجب بل هو مندوب وعلى فرض أنه واجب فالوجوب قد انقطع بمجرد موت الميت.
الوجه الرابع: أن النظر إلى عورة الميت حرام فكيف يجوز للحلاق أن ينظر إلى عورة الميت ويرتكب المحظورليعمل عملاً غير جائز شرعاً وما قلناه في الرجل نقوله في المرأه فلا يجوز للمرأة المغسلة أو للحلاَّقة أن تحلق لمن ماتت من النساء قبل أن تستحدَّ لأنه يلزم من ذلك أن تمس عورتها وتنظر إليها لما سبق الكلام عليه عند الكلام على الرجل، ولا سيما وقد ورد في الحديث الشريف أنه (لَا يَنْظُرُ الرَّجُلُ إِلَى عَوْرَةِ الرَّجُلِ، وَلَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إِلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ).
والخلاصة لما سبق ينحصر فيما يلي:
أولاً: لا يشرع للرجل أن يحلق عانة الرجل بعد موته بل ذلك محرم شرعاً.
ثانياً: لا يشرع للمرأة أن تحلق عانة المرأة بعد موتها بل ذلك محرم ومحضور شرعاً، فمن عارضك في هذه المسألة فقل له الحكَم فيما بيني وبينك كتاب الله تعالى وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم نجد في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ما يدل على جواز النظر إلى عورة الميت أبداً بل الوارد هو العكس وهو ما يدل على تحريم النظر إلى العورة مطلقاً سواء كان المنظور إليه امرأة أم رجلاً حياً أو ميتاً وسواء كان الناظر رجلاً أو امرأة، ولا تعجب إذا أطلت الكلام حول هذا الموضوع وأسهبت في شرح هذا الجواب فإنه غريب عليَّ لأني ما كنت أتصور أن رجلاً يخالف الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على تحريم النظر إلى العورة معتقداً أنه يحسن صنعاً بما فعل أو بما يفعله جاهلاً أو متجاهلاً أن النظر إلى العورة (أي عورة كانت) محرم بالكتاب والسنة والإجماع فهذا هو السبب في إطالتي الكلام وكثرة الإسهاب والإطناب حول هذا الموضوع.
لا تعذل المشتاق في أشواقه … حتى تكون أحشاك في أحشائه
ثم اطلعت أخيراً على كلام لابن حزم الأندلسي الظاهري في كتابه المشهور (المحلَّى) فوجدته يقول بمشروعية وجوب حلق عانة الميت إذا مات وهو (شعث العانة).