للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جـ: من صدمته سيارة ومات يغسل ويكفن ويصلى عليه كغيره من الأموات، لأن الدليل الدال على مشروعية الغسل والتكفين والصلاة على الميت لا يفرق بين ميت وميت إلا من قتل شهيداً في المعركة بين المسلمين والكفار، فإنه لا يغسل ولا يكفن لدليل خاص ورد فيه لقوله -صلى الله عليه وسلم- (زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ) (١) ولحديث (زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ) (٢) وغيره من الأحاديث الصحيحة الدالة على أن الشهيد الذي قتل في المعركة الحربية بين المسلمين والكافرين يكفن في ثيابه، وأما الصلاة عليه (على الشهيد) ففي مشروعيتها خلاف بين العلماء والذي ذهب إليه الشافعية هو عدم الصلاة على شهيد الحرب بين المسلمين والكافرين، والذي ذهب إليه الهادوية هو مشروعية الصلاة على الميت الذي قتل في الحرب بين المسلمين والكافرين، وسبب الخلاف هو أن الأحاديث في الموضوع قد تعارضت فبعضها تدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يصلي على الشهداء الذين قتلوا في المعركة أبداً حتى قتلى أُحد لم يصل عليهم، وبعضها تدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى على قتلى أُحد، فالإمام الشافعي رجح أحاديث النفي لأنها عنده صحيحة على أحاديث الإثبات لكونها عنده ضعيفة لا تصلح للاحتجاج على فرض عدم وجود ما يعارضها فكيف وقد عارضها أحاديث النفي، والهادوية رجحوا أحاديث الإثبات لكونها عندهم صحيحة عملاً بالقاعدة الأصولية أن الإثبات أرجح من النفي لأن المثبت مقدم على النافي ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، وهذا الذي صدمته السيارة وبقي ثلاثة أيام أو أربعةأيام ليس شهيداً في المعركة الحربية حتى نفتي بأنه لا يغسل ولا يكفن وعلى فرض أنه شهيد فليس كل شهيد يعامل في تجهيزه معاملة شهيد المعركة حتى ولو قد ورد النص بأنه شهيد مثل الغريق والمتردي من سطح البيت والمتردي في بئر كما في حديث (الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيد) فكيف والمصدوم لم يرد فيه دليل على أنه لا يغسل ولا يكفن.

والخلاصة:

أن الشهداء الذين ورد النص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنهم شهداء في حديث (الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ، وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ، وَصَاحِبُ الْحَرِيقِ شَهِيدٌ، وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيد) كثيرون، ولكن لم يرد ما يدل على أنه لا يغسَّل ولا يكفن إلا في شهيد المعركة، أما غيره من الأموات الذين ورد النص بأنهم شهداء أو أنهم ممن يعطوا أجر الشهداء فلم يرد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنهم لايغسلون ولايكفنون.


(١) - سنن النسائي: كتاب الجنائز: باب مواراة الشهيد في دمه. حديث رقم (٢٠٠١) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَتْلَى أُحُدٍ، زَمِّلُوهُمْ بِدِمَائِهِمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كَلْمٌ يُكْلَمُ فِي اللَّهِ إِلَّا يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَدْمَى، لَوْنُهُ لَوْنُ الدَّمِ، وَرِيحُهُ رِيحُ الْمِسْكِ) صححه الألباني في صحيح سنن النسائي بنفس الرقم.
أخرجه أحمد في باقي مسند الأنصار.
معاني الألفاظ: زمله: غطاه ولفه. … الكلم: الجرح.
(٢) مسند أحمد: باقي مسند الأنصار: حديث عبدالله بن ثعلبة بن صعير. حديث رقم (٢٢٥٤) بلفظ (حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ أَنَّ رَسولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ قَالَ وَجعَلَ يَدْفِنُ فِي الْقَبْرِ الرَّهْطَ قَالَ وَقَالَ قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا) صححه الألباني في تلخيص أحكام الجنائز.
أخرجه النسائي في الجنائز، الجهاد.
أطراف الحديث: باقي مسند الأنصار.
معاني الألفاظ: زمله: غطاه ولفه. الرهط: الجماعة من الرجال دون العشرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>