للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقُبُورِ) (١) والحديث صحيح، والظاهر عندي هو القول بجواز زيارة المرأة للقبور، وأنه لا مانع لها شرعاً من ذلك إذا كانت ستدخل المقبرة محتشمة محجبة لا تنوح ولا تصرخ ولا تدعوا بالويل والثبور ولا تؤذي من في المقبرة بالنياحة على من تزوره من الأموات، كما أن ذلك مشروط أيضاً بأن لا تعتقد في أصحاب القبور بأنهم ينفعونها وأن لا تكون ممن يشد الرحال إلى قبر ولي تستغيث به أو تتوسل به أو أن صاحب القبر ينفعها في دينها أو دنياها كمثل من يعتقد في (ابن علوان) المقبور في يفرس أو (الحمادي) المقبور في حراز أو السيد (أحمد البدوي) المقبور في مدينة طنطا أو في السيد (أبو العباس المرسي) المدفون بالإسكندرية أو في السيد (عبدالقادر الجيلاني) المقبور في بغداد فإن مثل هذه الزيارة محرمة على الرجال وعلى النساء جميعاً، والدليل على أن زيارة المرأة للقبورغير ممنوعة شرعاً وأنه لا مانع للمرأة أن تزور القبور إذا لم تعتقد في أصحاب القبور أو تبكي بأعلى صوتها وتنوح وذلك لما يلي:

أولاً: الأدلة الشرعية تدل على أن المرأة والرجل في الأحكام الشرعية سواء وأن النساء شقائق الرجال لحديث (إنّمَا النّساءُ شَقَائِقُ الرّجالِ) (٢) إلا ما خصها دليل صحيح صريح خالٍ عن المعارضة فيعمل به وذلك كالأدلة الدالة على عدم وجوب صلاة الجمعة عليها كما في حديث (الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ، إِلَّا أَرْبَعَةً، عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ) (٣) وعلى عدم وجوب الجهاد عليها لحديث (يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ) (٤) وعلى تحريم سفرها إلا بمحرم لحديث (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة) (٥) وحديث (لا يخلون رجل بامرأة، ولا تسافرن امرأة إلا ومعها محرم، فقام رجل فقال: يا رسول الله، اكتتبت في غزوة كذا وكذا


(١) سنن الترمذي: كتاب الجنائز: باب ما جاء في كراهية زيارة القبور للنساء. حديث رقم (٩٦٧) بلفظ (عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعن زوارات القبور) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (١٠٥٦).
أخرجه ابن ماجة في ما جاء في الجنائز.
(٢) سنن أبي داود: كتاب الطهارة: باب في الرجل يجد البلة في منامه. حديث رقم (٢٠٤) بلفظ (عن عَائِشَةَ قَالَتْ: "سئِلَ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن الرّجلِ يَجدُ الْبَلَلَ وَلَا يَذْكُرُ احْتِلَاماً، قال: يَغْتَسلُ، وَعن الرّجلِ يَرَى أنْ قَدْ احْتَلَمَ وَلَا يَجد الْبَلَلَ، قال: لَا غُسلَ عَلَيْهِ. فَقَالَتْ أُمّ سلَيْمٍ المَرْأةَ تَرَى ذَلِكَ، أعَلَيْهَا غُسلٌ؟ قال: نَعَمْ إنّمَا النّساءُ شَقَائِقُ الرّجالِ) حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود حديث رقم (٢٣٦)، إلا قول أم سليم (ترى … الخ).
أخرجه الدارمي في الطهارة.
معاني الألفاظ: شقائق: النظائر والأمثال كأنهن شققن منهم.
(٣) سنن أبي داود: كتاب الصلاة: باب الجمعة للمملوك والمرأة. حديث رقم (١٠٦٧) بلفظ (عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ، إِلَّا أَرْبَعَةً، عَبْدٌ مَمْلُوكٌ، أَوْ امْرَأَةٌ، أَوْ صَبِيٌّ، أَوْ مَرِيضٌ) صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود بنفس الرقم.
انفرد به أبوداود.
(٤) - صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب فضل الحج المبرور حديث رقم (١٥٢١) بلفظ (عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَرَى الْجِهَادَ أَفْضَلَ الْعَمَلِ أَفَلَا نُجَاهِدُ؟ قَالَ: لَا، لَكِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ حَجٌّ مَبْرُورٌ).
اخرجه النسائي في مناسك الحج، وابن ماجة في المناسك.
أطرافه: الجهاد والسير.
معاني الألفاظ: مبرور: خالص مقبول لا خلل فيه ولم يخالطه إثم.
(٥) - صحيح البخاري: كتاب تقصير الصلاة: باب في كم تقصر الصلاة. حديث رقم (١٠٨٨) بلفظ (عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة).
أخرجه مسلم في الحج، والترمذي في الرضاع، وأبو داود في المناسك، وابن ماجة في المناسك، وأحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع.

<<  <  ج: ص:  >  >>