للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لك إن كان ثم مصلحة أيضاً وهكذا إن كان القاصر والمجنون شريكاً في ملكية المبنى لا بد فيه من الإذن من الوصي أو الولي مع وجود المصلحة، وإن كان المبنى لوقف آخر فالولاية لوزارة الأوقاف ولا بد من إذنها وإن كان وقفاً خاصاً فالولاية لمتوليه إذا أذن المتولي بذلك مع مراعاة المصلحة في كل من الولايتين العامة والخاصة، وإن كان مرادك أن في نقل المبنى مخالفة للتوكل على الله أو فراراً من المقدور فليس النقل لهذا المبنى من المحل التي تكثر فيه الصواعق إلى محل آخر من المحلات التي لا تكثر فيها الصواعق أو لا تأتيها الصواعق عادة ليس فيه أيُّ مقدور أو منافاة للتوكل على الله أو فراراً من قدر الله لأن الله قد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة رضوان الله عليهم بأن يأخذوا حذرهم وأن يتوكلوا على الله وأن القرآن قد أمر بأخذ الحيطة (الحذر) كما أمر أيضاً بالتوكل على الله كما في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا} (١) وقوله تعالى {وَإِذَا كُنْتَ … فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ … بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا} (٢)، وكذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر بذلك بالاحتياط والتوكل كما في حديث (إعقِلْهَا وَتَوَكَلْ) (٣) وهكذا كان هدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجمع بين الأمرين فقد خرج من مكة يوم هجرته إلى المدينة جامعاً بين الأمرين حيث لم يغامر بالخروج في أيِّ وقت كان ولا ذهب من مكة إلى المدينة رأساً ولا بقي في محله حتى يأتي أعداؤه من مشركي مكة بل خرج في الوقت المناسب للخروج وهو الوقت الذي لا يقتص الخروج فيه المشركون، وأبقى أمير المؤمنين علياً كرم الله وجهه في بيته ليوهم المشركين أنه لا زال في البيت لينتظروا خروجه من البيت فيقتلونه ثم اختفى في الغار مدة ثلاثة أيام ليبحث عنه المشركون في طريق المدينة فلا يجدونه ويحصل عندهم يأس فإذا أصبحوا يائسين من بحثهم عنه في الطريق رجعوا ويخرج من الغار وقد أمن منهم، وهكذا عمل يوم الخندق جميع الإحتياطات وهذان المثلان لهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العمل بالاحتياط وفي دفع المسببات بالأسباب مما يدل على أنه لا منافاة بين التوكل على الله وبين الحذر وأن لو استعرضنا ما جاء في القرآن الكريم وفي السنة النبوية من أقوال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن أفعاله لما اتسع الوقت لإذاعتها وفيما ذكرته الكفاية لمن تأمله.

والخلاصةهي:

إن كان السؤال عن نقل هذا المبنى من الناحية الشرعية التي تخشى أن تسأل عنها يوم القيامة فلا مانع لك إن كان المبنى من أملاكك الخاصة، وإن كان لك شريك فلا بد من إذنه، وإن كان لغير مكلف فلا بُدَّ من إذن الولي أو الوصي مع مراعاة المصلحة، وهكذا إن كان وقفاً لا بد من إذن من الجهات العامة أو الخاصة.

وإن كان السؤال عن النقل لهذا المبنى من الناحية الدينية التي تخشى أن تسأل عنها أمام الله فلا مانع لك من


(١) - النساء: آية (٧١)
(٢) - النساء: آية (١٠٢)
(٣) - سنن الترمذي: كتاب صفة القيامة والرقائق: باب منه. حديث رقم (٢٥٦٧) بلفظ (عن أَنَس بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: قال رَجلٌ: يَا رَسولَ الله، أَعْقِلُهَا وَأَتَوَكَّلُ أَوْ أُطْلِقُهَا وَأَتَوَكَّلُ؟ قَالَ: إعقِلْهَا وَتَوَكَلْ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (٢٥١٧).
انفرد به الترمذي.
معاني الألفاظ: العقال: الحبل الذي يربط به الدابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>