وهذا نص ما قلنا لأن الله تعالى أباح الوطء والأكل والشرب إلى أن يتبين لنا الفجر، ولم يقل تعالى حتى يطلع الفجر ولا قال حتى تشكوا في الفجر، فلا يحل لأحد أن يقوله، ولا أن يوجب صوماً بطلوعه ما لم يتبين للمرء إلى آخر كلامه الذي احتج فيه بحديث (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ) وغيرها من الأحاديث الدالة على جواز الأكل والشرب حتى يتبين الفجر وقال: (فنص عليه السلام على أن ابن أم مكتوم لا يؤذن حتى يطلع الفجروأباح الأكل إلى أذانه، فقد صح أن الأكل مباح بعد طلوع الفجر ما لم يتبين لمريد الصوم طلوعه)، وذكر بعد ذلك عدة أحاديث مرفوعة وموقوفة تؤيد كلامه، هذا المصرح بأن المدار على (تبين طلوع الفجر) لا على (الطلوع) نفسه، ما احتج به ابن حزم واستنبطه من الآية الكريمة ومن حديث (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُؤَذِّنَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ لَا يُؤَذِّنُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ) هو مؤيد لما ذهب إليه المهدي في البحر ويحيى بن حمزة وسيد سابق، وهو مضعف لما قاله صاحب البيان الذي قرره المتأخرون من أهل المذهب الهادوي كما لا يخفى، فمذهب المهدي ويحيى بن حمزة وابن حزم والسيد سابق هو ما كان قد قال به أبو حنيفة والشافعي من عدم الفرق بين من رأي الفجر بنفسه ومن سمع المؤذن يؤذن به وهو الراجح عندي: لما شرحه ابن حزم رحمه الله، وأخيراً قال الألباني في المجلد الثالث من الأحاديث الصحيحة ما نصه (الإمساك عن الطعام قبل أذان الصبح بدعة) ثم ذكر حديث (إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضي حاجته منه) أخرجه أبو داود وابن جرير الطبري في التفسير (٣/ ٥٢٦/ ٣٠١٥) وأبو محمد الجوهري في (الفوائد المنتقاة (١/ ٢) والحاكم (١/ ٤٢٦) والبيهقي (٤/ ٢١٨) وأحمد (٢/ ٤٢٣ و ٥١٠) من طرق عن حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فذكره وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي وفيه نظر فإن محمد بن عمرو إنما اخرج له مسلم مقروناً بغيره فهو حسن، نعم لم يتفرد به ابن عمرو فقد قال حماد بن سلمة أيضاً عن عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله، وزاد فيه (وكان المؤذن يؤذن إذا بزغ الفجر) أخرجه أحمد، وابن جرير والبيهقي. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم. ةففي أسئلة الاتصال الجنسي قد اتفق رأي صاحب البحر وصاحب البيان وصاحب فقه السنة على أن الواجب عليه أن ينزع فوراً وأنه إذا نزع فوراً فصومه صحيح، وان استمر فصومه باطل ويكفر كما قال ابن حزم ويأثم كما قال صاحب البحر، ولكن صاحب البيان لم يجعل هذا الحكم على إطلاقه بل قيده بمن كان على رأس جبل ينظر إلى السماء ويراقب طلوع الفجر، أما من كان في أرض منخفضة أو سمع المؤذنين، وعلى هذا فرأى صاحب البحر ويحيى بن حمزة والسيد سابق عدم بطلان صيام من نزع حال سماعه الأذان فوراً مطلقاً وهو مذهب الشافعي وأبي حنيفة وابن حزم سوى كان هذا الصائم على رأس جبل عال أو على الميناء البحري أو في أرض منخفضة، وسواء شاهد طلوع الفجر بنفسه أم سمع المؤذن، ورأى صاحب البيان وهو المختار لأهل المذهب المتأخرين المقررين له أن هذا الحكم خاص بمن شاهد طلوع الفجر بنفسه لا من سمع المؤذن يؤذن لطلوع الفجر فإن صوم من سمع المؤذن باطل لأن المؤذن لم يؤذن إلا بعد أن طلع الفجر فيكون قد دخل من وقت الفجر دقيقة أو أكثر والرجل في حال الاتصال الجنسي هذا هو المقرر عند المتأخرين من أهل المذهب الهادوي، فمن كان ملتزماً لمذهب الشافعي أو أبي حنيفة أو يحيى بن حمزة أو المهدي صاحب البحر أو السيد سابق أو ابن حزم فمذهب هؤلاء عدم بطلان صوم من نزع حالا فور سماعه أذان الفجر ولا يجب قضاء اليوم عند هؤلاء جميعاً ما لم يستمر لحظة أو لحظات فصومه باطل وعليه القضاء لكونه استمر في فعل شيء محرم شرعاً يأثم بالاستمرار فيه وعليه الكفارة كما قال ابن حزم، ومن كان ملتزماً للمذهب الهادوي الذي قرره المتأخرون للمذهب ووضعوا عليه إشارة المذهب فصومه لا يبطل إذا كان مشاهدا لطلوع الفجر فقط لا سامعا