أن يصل الحرم المحرم وهي مدينة مكة وضواحيها وهي المحدودة بالحدود المعلومة وعليها الأعلام من أيام العرب وأقرها النبي -صلى الله عليه وسلم- لا للحج ولا للعمرة بل لزيارة بعض أرحامه أو للتجارة أو ليطوف على الكعبة المشرفة أو ليصلي جماعة في الحرم أو لأيّ غرض من الأغراض هل يجب عليه أن يحرم أم لا يجب عليه أن يحرم، والذي ذهب إليه علماء المذهب الزيدي الهادوي هو الوجوب وصرحوا بأنه لا يجوز لأيِّ مسلم آفاقي قاصداً الحرم المحرم أن يتجاوز المواقيت إلا بإحرام، إلا إذا كان عمله اليومي يدور بين الحرم المحرم، وخارج الحرم المحرم مثل الحطابين في العصور الماضية، وعمال الباصات وسائقي الأتوبيسات والتكسيات في هذه الأيام فلهم أن يتجاوزوا المواقيت ويدخلوا الحرم المحرم بلا إحرام لأن إحرامهم دائماً فيه حرج والذي ذهب إليه الجمهور هو إيجاب الإحرام على من يريد أن يدخل الحرم المحرم عند وصوله الميقات الذي سيمر القاصد منه وذلك على من كان حاجاً أو معتمراً، أما من كان قاصداً الحرم المحرم غير قاصد الحج أو العمرة بل لزيارة الأرحام أو للتجارة أو لمهمة حكومية، أو لينحر أو ليذبح، أو لأيِّ شئ من الأشياء التي يقصدها المسافر إلى مكة المكرمة حتى ولو كان قصده هو الطواف أو حضور صلاة الجمعة أو الجماعة في الحرم فإنه لا يجب عندهم الإحرام من المواقيت أو بعبارة أوضح من الميقات الذي سيمر من عنده مهما لم يكن قاصداً الحج أو العمرة، وقد أحتج أهل المذهب الهادوي الزيدي بالأثر المروي عن ابن عباس مرفوعاً وموقوفاً (من وجوب الإحرام على كل من يريد أن يتجاوز الميقات إذا كان قاصداً للحرم المحرم) وهو في نظرهم أعم من أن يكون قد قصد الحج أو قصد العمرة أو قصد زيارة صديق أو قريب أو حضور صلاة الجماعة أو الطواف أو أيِّ شيء من المقاصد الأخرى التي يقصدها المسافر إلى مكة المكرمة أو إلى أيِّ أرض داخلة في الحرم المحرم، واحتج أهل المذهب الثاني، وهم جمهور العلماء الذين لا يوجبون الإحرام على من كان قاصداً الحرم المحرم عند أن يصل إلى أحد المواقيت إلا إذا كان قصد المسافر هو الحج أو العمرة لا غير عملاً بالحديث الصحيح الذي وقّت النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه المواقيت وقال في آخر الحديث (فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا)(١) ومفهومه أن من لم يرد الحج أو العمرة مثل الذي يريد زيارة الأقارب أو التجارة أو للطواف أو لحضور الجماعة أو لأيِّ شيء من الأشياء غير الحج أو العمرة فإنه لا يجب عليه أن يحرم من أحد هذه المواقيت إذا مر بها، والحديث صحيح اتفق على إخراجه البخاري ومسلم، وقد دل بمنطوقه على أن المواقيت خاصة بمن يريد الحج أو العمرة فقط كما دل بمفهومه على أن من لا يريد الحج أو العمرة فإن الإحرام من أحد هذه المواقيت غير واجب عليه، وقد أجابوا عن الدليل الذي احتج به أهل المذهب الأول وهم الهادوية القائلون بوجوب الإحرام على كل من يريد أن يتجاوز الميقات قاصداً الحرم المحرم مطلقاً سواء كان القاصد قد قصد الحج أو العمرة أو غيرها من الأشياء التي تحمل المسافر على السفر إلى مكة وضواحيها من القرى الداخلة في الحرم المحرم أجابوا بأن الرواية الموقوفة على ابن عباس لا حجة فيها لأن قول الصحابي ليس بحجة كما تقرر في علم الأصول والرواية التي رفعها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- ضعيفة من ناحية الإسناد فلا يصلح الحديث للاحتجاج به على هذا الحكم ولا سيما وقد عارض حديث التوقيت الصحيح والذي نص على أن هذه المواقيت لأهلهن ولمن أتى عليهن ممن يريد الحج أو العمرة فقط الدال بمفهومه على أن غير الحاج أو المعتمر لا يجب عليه الإحرام عند مجاوزته أحد هذه المواقيت.
(١) صحيح البخاري: سبق ذكره في هذا الباب من حديث ابن عباس رضي الله عنهما برقم (١٤٥).