للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحج ولا شرطاً من شروط صحة التمتع بل لو أحرم المتمتع للحج من أيِّ المواقيت أراد جاز له ذلك وصح تمتعه أي أن له أن يحرم من حيث شاء كما نص عليه مؤلف (الأثمار) حتى ولو خرج من الميقات بعد أن اعتمر ولم يلحق بأهله كما نص على ذلك في شرح الأزهار وذلك كمن يعتمر عمرة التمتع ثم يخرج من مكة إلى المدينة للزيارة مثلاً ثم يرجع إلى مكة ويحرم من ذي الحليفة للحج وهو ميقات أهل المدينة ومن ورد إلى المدينة من غير أهلها ممن يريد أن يحرم (وهو المحل الذي يسمى الآن أبيار علي) فإنه بهذا العمل لا يفسد حجه تمتعاً بل لا يزال متمتعاً ولا تزال أحكام المتمتع جارية عليه وذلك لأن حجه وعمرته جمعهما سفر واحد مهما لم يتخلله الرجوع إلى الوطن، وهذا القول هو الذي ذهب إليه أبو حنيفة رحمه الله واختاره الهادوية وقيل بل من خرج من الميقات لأيِّ غرض من الأغراض ثم أحرم من أيِّ ميقات من المواقيت التي تكون في طريقه لا يكون متمتعاً ولا تجري عليه أحكام المتمتع من ذبح الهدي إن استطاع شراءه ومن الصوم إن لم يستطع بل يكون حجه حج إفراد وتجري عليه أحكام حج الإفراد ولا يلزمه هدي ولا صيام لأن شرط التمتع عند أصحاب القول الأخير أن لا يتجاوز الحاج الميقات بعد العمرة لأنه إذا جاوزه كان إحرام للحج في سفر ثان ولو لم يلحق بأهله، وإلى القول الثاني ذهب الشافعي رحمه الله في أحد قوليه وبناء على ذلك فمن كان مذهبه هادوياً أو حنفياً فعليه دم التمتع وإذا لم يجد ثمن الدم فعليه أن يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة أيام إذا رجع إلى أهله لأنه لا زال متمتعاً لأن المتمتع في المذهبين يكون متمتعاً إذا جمع في حجه شروط التمتع المنصوص عليها في كتب الفقه الهادوي وهي النية وأن لا يكون ميقاته داره وأن يحرم للعمرة التي سيتمتع بها إلى الحج من الميقات أو قبله وأن يحرم للعمرة في أشهر الحج وأن يجمع حجه وعمرته سفر واحد وحد، السفر الواحد أن لا يتخلله لحاق بأهله قبل أن يقف للحج وأن يجمع حجه وعمرته عام واحد وسواء أحرم للحج من مكة أو من أيِّ ميقات من المواقيت التي في طريقه إذا كانت من المواقيت المنصوص عليها في الحديث الشريف (وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا) (١) ولا شيء على من أحرم من خارج مكة مهما كان إحرامه من أحد المواقيت الواردة في الحديث لا دم ولا كفارة غير دم التمتع أو صيام التمتع الوارد في الآية الكريمة {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى … الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا … رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ}، ومن كان مذهبه شافعياً فلا دم عليه ولا صيام وذلك لكونه لم يبق متمتعاً ما دام وقد خرج من مكة إلى ما وراء المواقيت بل أصبح من الحجاج المفردين الذين لا يجب عليهم هدياً ولا صياماً، وإنما كان مفرداً لأن من شرط المتمتع عند علماء المذهب الشافعي أن تكون العمرة والحج في سفر واحد والسفر عندهم هو سفر الحاج من وطنه إلى مكة فإذا خرج من مكة إلى خارج المواقيت ثم أحرم من أحد المواقيت للحج فقد سافر للحج سفراً آخر غير سفره للعمرة وتخلل بين الحج والعمرة السفر من مكة إلى المدينة أو إلى محل من المحلات الواقعة خارج المواقيت فمن خرج من مكة في أيِّ سفر كان لم يجمع حجه وعمرته سفر واحد سواء لحق بأهله أو لم يلحق بأهله، هذا وجه قول الشافعي لسقوط دم التمتع على من ذهب من مكة إلى المدينة بعد إحلاله ثم إحرامه من ميقات أهل المدينة ومن ورد إليهم من غير أهلها، أما المذهب الهادوي


(١) - صحيح البخاري: كتاب الحجـ: باب مهل أهل الشام. حديث رقم (١٥٢٦) بلفظ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلِأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ، وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، فَهُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ لِمَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ، وَكَذَاكَ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا).
أخرجه مسلم في الحج، والنسائي في مناسك الحج، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في المناسك.

<<  <  ج: ص:  >  >>