للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهي منسوخة بحديث (وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ) (١) وغيره من الأحاديث الدالة على وجوب غسل القدمين في الوضوء.

س: هل المشروع في الوضوء غسل الرجلين أو مسحهما وكيف ستكون قراءة وأرجلكم المروية بجر اللام الدَّالة على أن فرض الأرجل المسح مثل الرأس كونها معطوفة عليه ومجرورة مثله؟

جـ: اعلم بأن على الرجل المتوضئ أن يغسل رجليه وأن لا يكتفي بمسحهما لأنّ الأدلَّة قد دلت على وجوب غسل الرجلين في الوضوء وهي قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (٢) بنصب اللام في قوله {وَأَرْجُلَكُمْ} عطف على قوله {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} فالأرجل هاهنا معطوفة على الوجوه والأيدي فتغسل كما تغسل الوجوه والأيدي، والأحاديث الكثيرة الدالة على أنَّ المشروع هو غسل الأرجل وهي قولية وفعلية مدونة في باب الوضوء في كتب السنة النبوية المطهرة على صاحبها وآلة أفضل الصلاة والسلام، وأمَّا قراءة {وَأَرْجُلَكُمْ} بجر لام وأرجلِكم الدالة على أن المشروع هو المسح وليس الغسل حيث أن العطف قد دل على أن الأرجل معطوفة على الرأس المجرور بالياء وحكم المعطوف حكم المعطوف عليه يكون واحداً، فالجواب عليه أنَّ الجرَّ في قوله تعالى {وَأَرْجُلَكُمْ} للمجاورة والجر للمجاورة موجود في كلام العرب كقولهم (هذا جحرُ ضَبٍّ خَرِبٍ) فلفظة (خربٍ) صفة لقولهم (جحرُ) ولم يرفع بل جر لمجاورة المجرور وهو (ضبٍّ) المجرور بالإضافة، أو تؤول هذه القراءة الأخيرة وهي قراءة الجرَّ على حالة خاصة وهي حالة كون المتوضئ لابسا خفا وانتقض وضوؤه وهو لابس للخف وقد كان لبسه وهو متوضئ حيث قد وردت الأدلة على جواز المسح على الخفين لمن كان مسافراً لمدة ثلاثة أيام ولمن كان مقيما مدة يوم وليلة مهما أدخل القدمين الخف وهو على طهارة، وذلك لأجل الجمع بين القرآتين أي أن قراءة النصب الدَّالة على أنَّ المشروع هو غسل الرجلين تبقى على أصلها وعلى ظاهرها في الدَّلالة على مشروعية غسل الرِّجلين في الوضوء، وقراءة الجر تحمل على أحد الوجهين الوجه الأول: بأن الجر كان للمجاورة لا للعطف.

الوجه الثاني: أن المسح محمول على من كان لابساً للخفين للأدلة الدالة على مشروعية المسح على الخفينن، وإنما كان التأويل لقراءة الجر ولم تكن لقراءة النصب لأن الأحاديث الكثيرة قد دلت على أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- كان يغسل رجليه في الوضوء وأنه قال (وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ) (٣) ولم يرو عنه أنه مسح على رجليه في الوضوء ولا أمر


(١) صحيح البخاري كتاب العلم باب من رفع صوته بالعلم. حديث رقم (٥٨) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا).
أخرجه مسلم في الطهارة، والنسائي في الطهارة، وأبو داودفي الطهارة، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.
اطراف الحديث: العلم، الوضوء.
معاني الألفاظ: أرهفتنا: حان ادائها، ونشطنا لإدراكها. … العقب: مؤخر القدم.
(٢) المائدة: (٦).
(٣) - صحيح البخاري: كتاب الوضوء: باب غسل الرجلين ولايمسح على القدمين. حديث رقم (١٦٣) بلفظ (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ، وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا).
أخرجه مسلم في الطهارة، والنسائي في الطهارة، وأبو داود في الطهارة، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة.
معاني الألفاظ: أرهفتنا: حان أدائها ونشطنا لإدراكها. … العقب: مؤخر القدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>