للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الممكن الكلام على ذلك في فرصة أخرى فعلى قول من ذهب إلى رائي القائلين بطهارة دم الآدمي فلا مانع من بيع هذا الدم إذا كان صاحبه يريد بيعه وإلا فما سمعت إلى الآن أن أحداً من المرضى قد اضطر إلى شراء الدم من أحد الأصحاء أو أن أحد الأصحاء رفض أن يتبرع بكمية من دمه لأحد المصابين المضطرين إلى الدم ولا يخرج شيئاً من دمه إلا بثمن، وعلى مذهب من يقول بنجاسة الدم لا مانع للمصاب أو لأهل المصاب من شراء الدم مهما كان ضروريا ولم يوجد من يتبرع للمصاب بدم في الوقت الحرج وأن الكمية من الدم معينة لا مجهولة وذلك للضرورة لأن القاعدة الفقهية تقول عند الضرورات تباح المحظورات، و لقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (١) وقوله تعالى {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٢) وقوله تعالى {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (٣) وأما الفرق بين شرب الخمر وبين بيع الدم فهو أن تحريم شرب الخمر من المحرمات القطعية والمعلوم تحريمها من القرآن الكريم في قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (٤) ومن السنة النبوية في حديث لحديث (كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) (٥) ومن إجماع المسلمين، وأما مسألة بيع الدم فهو مبني على نجاسته ومسألة نجاسة دم الآدمي ليست من المسائل القطعية ولا من المسائل المجمع عليها بل هي من المسائل الخلافية التي اختلفت فيها أنظار العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين حيث قد قال بطهارة دم الآدمي الحسن الهمداني والظاهرية والجلال والأمير الصنعاني والشوكاني وصديق حسن والألباني وإنما المجمع على نجاسته هو دم الحيض كما لا يخفى على من له إطلاع على كتب الفقه وشروح الحديث، وأيضا يوجد في التداوي بالخمر نص صحيح صريح مرفوعاً إلى رسول الله وهو حديث (إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ) (٦) قاله رسول الله عندما سئل عن التداوي بالخمر، وأما عن بيع الدم الذي يستخرج من الإنسان لأخيه الإنسان بواسطة الإبرة فلم يرد نص صريح ولا غير صريح لا صحيح ولا حسن ولا ضعيف وأما الاحتجاج بقوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (٧) على تحريم بيع الدم أو شرائه لمن كان


(١) - البقرة: (١٧٣)
(٢) - الأنعام: آية (١٤٥)
(٣) - النحل: آية (١١٥)
(٤) - المائدة: ٩٠.
(٥) - صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب بيان أن كل مسكر خمر وكل خمر حرام. حديث رقم (٥٣٠٨) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِي الْآخِرَةِ).
أخرجه البخاري في الأشربة، والترمذي في الأشربة، والنسائي في الأشربة، وأبو داود في الأشربة، وابن ماجة في الأشربة، وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة، ومالك في الأشربة، والدارمي في الأشربة.
معاني الألفاظ: يدمنها: يدوام على شربها.
(٦) صحيح مسلم: كتاب الأشربة: باب تحريم التداوي بالخمر. حديث رقم (٣٦٧٠) بلفظ (عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ عَنْ أَبِيهِ وَائِلٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّ طَارِقَ بْنَ سُوَيْدٍ الْجُعْفِيَّ، سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ).
أخرجه الترمذي في الطب عن رسول الله، وأبو داود في الطب، وأحمد في أول مسند الكوفيين، مسند القبائل.
(٧) - المائدة: (٩٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>