مبتغيا بتعليمهم وجه الله فلما أراد أخذ القوس أخبره النبي بأنه أخذ شيئاً لا في مقابله شيء وأنه سيبطل به ما جعله لله خالصاً فيأثم بقبوله، وعلى فرض أن هذا التأويل بعيد فليس فيه دلالة على تحريم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن وإنما قد يدل على تحريم أخذ الأجرة إلى مقابل تعليم الأخذ المأخوذ منه القرآن، وهذه مسألة أخرى وهي مسألة هل يجوز أخذ الأجرة على تعليم القرآن أو لا يجوز أخذها وقد أجاز أخذ الأجرة إلى مقابل تعليم القرآن عطاء ومالك والشافعي والقاسم وأبو ثور وجمهور من العلماء وحرمه أحمد وإسحاق والهادوية والحنفية والكلام حول ما احتج به كل فريق لرأيه في المسألة الأخيرة طويل، وعلى فرض أن حديث عبادة صحيح وصريح في الدلالة على تحريم أخذ الأجرة على تلاوة القرآن فهو معارض بما هو أصح سنداً وأصرح دلالة وهو حديث ابن عباس عند البخاري وغيره مرفوعاً (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) وحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- قال كنا في سرية فنزلنا فجاءت جارية فقالت إن سيد الحي سليم (أي لديغ) وإن نفرنا غيب فهل منكم راق فقام معها رجل فرقاه فبرأ فأمر له ثلاثين شاة وسقانا لبناً فلما رجع قلنا له أكنت تحسن أو ترقي قال مارقيت إلا بأم الكتاب قلنا لا تحدثوا شيئاً حتى نأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما قدمنا المدينة ذكرناه للنبي فقال -صلى الله عليه وسلم- وما كان يدريه أنها رقية، أقسموا واضربوا لي معكم بسهم وأخرجه مسلم وأبو داود، وفي رواية أن أبا سعيد هو الذي رقا ذلك اللديغ، ووجه دلالة حديث (إِنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ) على جواز أخذ الأجرة على تلاوة القرآن أنه أتى بلفظ عام إذ كلمة (ما) هنا بمعنى (شيء) فهو في قوة أحق شيء أخذتم عليه أجراً كتاب الله فيعم كل نوع ما استأجر على كتاب الله من رقية أو كتابة أو تلاوة بل ويعم التعليم أيضاً الذي اختلف في حكم أخذ الأجرة إلى مقابلة، فمنعه الحنفية والهادوية وأحمد وإسحاق، وأجازه عطا ومالك والشافعي والقاسم وأبو ثور والجمهور كما سبق في جوابي هذا، وكونه سيق في سبب خاص وهو الرقية لا يقصر عليه لما علم في الأصول أن (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب) ويؤيد هذا الحديث الدال على جواز أخذ الاجرة على تلاوة القرآن حديث سهل بن سعد الدال على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جعل تعليم بعض سور القرآن مهراً للمرأة التي زوجها النبي الصحابي في الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري ومسلم وغيرهمار في حديث (مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّهَا قَالَ: أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ)، ومن جملة ما احتج به المانع من أخذ الأجرة على تلاوة القرآن أن في أخذها زهداً عن الثواب وأجيب عنه بأن النبي قد أقر الصحابي على أخذ الأجرة على الرقية وعقد للمرأة بالصحابي الذي رغب في زواجها وجعل التعليم مهراً لها كما أن الأدلة قد دلت عموماً على جواز أخذ الأجرة على كل عمل يعمله الإنسان لغيره سواء كان العمل قولياً أو فعلياً فأخذ الأجرة في مقابل تلاوة القرآن داخل في العموم علاوة على دخلوه نصاً في الأدلة الدالة على جواز أخذ هذه الأجرة على جهة الخصوص، هذه خلاصة ما قاله الشيخ محمد حيوة السندي وخلاصة ما أجاب عنه العلامة الرباني (محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني) والراجح عندي هو ما قاله العلامة الأمير قدس الله روحه ونور ضريحه.
س: هل عندما يأخذ التالي الأجرة على تلاوة القرآن هل يكون على جزء أم على سورة أم على ما استطاع؟
جـ: اعلم أنه لا مانع من قراءة بعض السور أو الآيات أو الأجزاء ولا بد من النظر فيما يقول المعطي للتالي عند تسليمه المبلغ الذي قرر أن يسلمه، هل في أجزاء من القرآن؟ أو سورة؟ أو المصحف؟ ليشفي المريض أو لأيِّ غرض آخر، فيأخذ المبلغ أي التالي على حسب ما اشترط عليه المعطي.