للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة) (١) والإجماع، وبهذا صرح العلماء بأن من تركها جاحداً لمشروعيتها فهو كافر مرتد ومن تركها تساهلاً غير منكر لمشروعيتها فهو فاسق مرتكب لأعظم جريمة. وما يرويه بعض الكذابين من أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جوّز قضاء الصلاة في هذا اليوم فهو من الأخبار الشنيعة المفتراة على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي يجب على كل عالم أن يحذر الناس من روايتها أو من الاعتقاد بأنها من كلام سيد الأنام عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام لأنها معارضة لجميع ما جاء في الكتاب العزيز أو السنة النبوية المطهرة من الأوامر الكثيرة المصرحة بوجوب إقامة الصلاة والحث عليها في عدة آيات قرآنية وفي جملة أحاديث متواترة تضمنتها كتب السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، كما أنها معارضة لما أجمع عليه المسلمون من يوم وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذ، فلعنة الله على الكذابين على الرسول الأعظم -صلى الله عليه وسلم- ورحمة الله على امرئ ذبَّ عن شريعة سيد الأولين والآخرين ورضوان الله لمن بيَّن للمسلمين الحق من الباطل والصدق من الكذب في كل ما نسب إلى خاتم المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وقد سئل العلامة ابن حجر الهيتمي المكي الشافعي المتوفي سنة (٩٧٣) هـ عن هذه الصلاة التي كان بعض المصلين يصليها في آخر جمعة من رمضان ويسميها صلاة البراءة هل تصح جماعة فأجاب بقوله في الفتوى الكبرى، وأما صلاة البراءة فإن أريد بها ما ينقل عن كثير من أهل اليمن من صلاة المكتوبات الخمس بعد آخر صلاة جمعة من رمضان معتقداً أنها تكفر ما وقع في جملة السنة من تهاون في صلاتها فهي محرمة شديدة التحريم يجب منعهم منها لأنه يحرم إعادة الصلاة بعد خروج وقتها ولو في جماعة وكذا في وقتها بلا جماعة ولا سبب يقتضي ذلك، ومنها أن ذلك صار سبباً لتهاون العامة في أداء الفرائض لاعتقادهم أن صلاتهم على تلك الكيفية يكفي منهم ذلك، ونص في شرحه على منهاج الإمام النووي رحمه الله المسمى (تحفة المحتاج شرح كتاب المنهاج) على أن مسألة قضاء خمس صلوات في آخر جمعة من رمضان بدعة لا أصل لها في الدين، وقال العلامة علي بن سلطان القاري المتوفى سنة (١٠١٤) هـ في كتابه الذي ألَّفه في الأحاديث الموضوعة والذي سمي بـ (الموضوعات الكبرى) وفي كتابه الذي سمي بـ (الموضوعات الصغرى)، ما نصه (من قضى صلاة الفرائض في آخر جمعة من شهر رمضان كان ذلك جابراً لكل صلاة في عمره إلى سبعين سنة) باطل قطعاً لأنه مناقض للإجماع من العلماء على أن شيئاً من العبادات لا يقوم مقام فائتة سنوات، ثم لا عبرة بنقل النهاية ولا ببقية شراح الهداية فإنهم ليسوا من المحدثين ولهذا أسندوا الحديث إلى أحد المخرجين، وقد نقل هذا الكلام بلفظه ولفظ الحديث عن المُلا بن علي القاري العلامة إسماعيل العجلوني المتوفي سنة (١١٦٣) هـ في حرف الميم من كتابه المشهور (كشف الخفاء ومزيل الإلباس فيما يجري من حديث الناس) وأقرّه على ذلك كما نراه في الصفحة الثالثة بعد المائتين من الجزء الثاني من هذا الكتاب المفيد، وقد ذكر هذا الحديث المفترى على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنفس اللفظ المصرح بأن (من قضى صلاة الفرائض في آخر جمعة من رمضان كان ذلك جابراً لكل صلاة فائتة في عمره إلى سبعين سنة) وذكر الحديث الدكتور مصطفى السباعي في كتابه القيم المسمى (السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي) وذلك عند ذكره للأحاديث التي وضعت على النبي


(١) - صحيح البخاري: كتاب الإيمان: باب قوله تعالى (فإن تابوا وأقاموا الصلوة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم). حديث رقم (٢٥) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ).
أخرجه مسلم في الإيمان.
معاني الألفاظ: يشهدوا: يصدقوا ويقروا. … عصموا: منعوا وحفظوا.

<<  <  ج: ص:  >  >>