للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى) (١) فإنه يدل على أن المجوِّز لصلاته -صلى الله عليه وسلم- هو التوبة الخالصة ومفهومه يدل على أنه إذا لم تتب فإنه لا يصلي عليها ولا أدري كيف يجيب المجوِّزون للصلاة على الفاسق على هذا الحديث.

س: ما حكم الصلاة على من مات ولم يصل، فهل يجوز الصلاة عليه؟

جـ: تارك الصلاة عاصٍ لله وعاصٍ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد اختلف العلماء في الحكم عليه بالكفر على قولين:

القول الأول: هو القول بأنه كافرلحديث (الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَر) (٢) وحديث (بَيْنَ الرَّجلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ) (٣) وإذا كان كافراً فلا يغسَّل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يقبر في مقابر المسلمين ولا يرثه أقاربه لا من جهة الزوجية ولا من جهة العصبة ولا من جهة ذوي السهام ولا ذوي الأرحام لأنه لا توارث بين أهل ملتين مختلفتين كما جاء في الحديث الصحيح المرفوع إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلفظ (لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) (٤) ولفظ (لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ) (٥) وعلى هذا الأساس الصلاة عليه بعد موته حرام شرعاً.

القول الثاني: هو القول بأنه فاسق لا كافر وبناء على ذلك فقد اختلف العلماء في حكم الصلاة على الفاسق أي فاسق كان سواء كان فاسقاً بترك الصلاة أو بشرب الخمر أو بالزنا أو بأيِّ معصية من المعاصي الكبائر فقال علماء المذهب الهادوي لا يصلى على الفاسق الذي مات ولم تصح توبته، وبناء على ذلك فلا يصلى عليه كما نص عليه الأمير الحسين في شفاء الأوام والإمام المهدي في الأزهار، وقال آخرون يصلى على الفاسق ولو لم تصح توبته ما دام وهو مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وهذا هو ما رجحه شيخ الإسلام الشوكاني في كتاب (السيل الجرار) وبناء على ذلك فمن كان ملتزماً للمذهب الهدي لا يصلى على تارك الصلاة، ومن كان ملتزماً لمذهب الشوكاني فليصل على تارك الصلاة.


(١) - صحيح مسلم: كتاب الحدود: باب من اعترف على نفسه بالزنا. حديث رقم (٣٢٠٩) بلفظ (عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ أَتَتْ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حُبْلَى مِنْ الزِّنَى، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ، فَدَعَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيَّهَا فَقَالَ أَحْسِنْ إِلَيْهَا، فَإِذَا وَضَعَتْ فَأْتِنِي بِهَا، فَفَعَلَ، فَأَمَرَ بِهَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُكَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ، ثُمَّ صَلَّى عَلَيْهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: تُصَلِّي عَلَيْهَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ وَقَدْ زَنَتْ، فَقَالَ: لَقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ قُسِمَتْ بَيْنَ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَوَسِعَتْهُمْ، وَهَلْ وَجَدْتَ تَوْبَةً أَفْضَلَ مِنْ أَنْ جَادَتْ بِنَفْسِهَا لِلَّهِ تَعَالَى)
أخرجه الترمذي في الحدود، والنسائي في الحدود، وأبوداود في الحدود، وابن ماجه في الحدود، وأحمد في أول مسند البصريين، والدارمي في الحدود.
لايوجد له مكررات.
معاني الألفاظ: أصاب: ارتكب واقترف.
(٢) - سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث عبد الله بن بريدة رضي الله عنه برقم (٢٦٢١).
(٣) - صحيح مسلم: سبق ذكره في هذا الباب من حديث أبي سفيان رضي الله عيه برقم (٢٤٢).
(٤) - سنن الترمذي: كتاب الفرائض: باب ماجاء في إبطال الميراث بين المسلم والكافر. حديث رقم (٢٠٣٣) بلفظ (عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) صححه الألباني في ضحيح الترمذي برقم (٢١٠٧)
أخرجه البخاري في الفرائض، ومسلم في الفرائض، وأبوداود في المناسك، وابن ماجه في الفرائص، وأحمد في مسند الأنصار، ومالك في الفرائض، والدارمي في الفرائض.
(٥) - سنن الترمذي: كتاب الفرائض: باب لايتوارث أهل ملتين. حديث رقم (٢٠٣٤) بلفظ (عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي برقم (٢١٠٧)
انفرد به الترمذي.

<<  <  ج: ص:  >  >>