للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويشدون إليه الرحال ويدعونه من دون الله أو يستغيثون به كما يستغاث بالله أو يطلبون منه مالا يطلب إلا من الله أو يتوسلون به إلى الله سبحانه وتعالى ويرجون منه أن يشفي مرضاهم وأن يفرج الهم عن المكروب منهم أو أن يجعل العقيم من النساء ولوداً أو الباغضة لزوجها ودودا، ومنهم من يقصدها ويشد الرحال لزيارتها مع أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد قال في حديثه الصحيح (لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ، الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى) (١) ومنهم من قبر ميتاً في مسجد قد وقفه الواقف للصلاة ولذكر الله ولعالم أو متعلم في حين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد نهى عن الصلاة في المقابر وعن الصلاة على القبور أو إلى القبورفي حديث (لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها) (٢). ومنهم من صار يدعو أصحاب القبور في حين أنه يتلو قول الله صباحاً ومساءاً {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (٣) ومنهم من بات يعتقد أن عمل الميت ينفعه إذا اعتقد فيه أو نذر له أو ذبح له أو استغاث به في حين أنه يسمع قول الله {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} (٤) وقول الرسول العظيم -صلى الله عليه وسلم- (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ) (٥) الخ الحديث، فالرسول يقول إن الميت بمجرد موته ينقطع عمله ويصبح غير قادر على أيِّ عمل ثم يستثني أشياء منها أنه أي الميت ينتفع بدعاء ولده الصالح الذي يدعو لوالده كمافي حديث (إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ)، فالحي وهو الولد الصالح قد صار بدعائه ينفع والده الميت الذي قد انقطع عمله وهؤلاء المغفلون أو الدجالون أو المشعوذون يعكسون القضية فيجعلون الحي الذي لا يزال على قيد الحياة متمكناً من العمل محتاجاً إلى الميت ليشفي مريضه أو ينصر مظلومه أو يجعل العقيم ولوداً أو الباغضة ودوداً أو يشفع للحي العاصي أو يُفرج عن المنكوب والمكروب والمهموم والمغموم، فيا ليت شعري ما هو الذي حملهم على هذا الرأي المعكوس أو على هذا الاعتقاد المنكوس حتى جعلوا القادر على السعي والعمل يطلب الشفاء والشفاعة والنصر ممن قد انقطع عمله وسعيه، وهكذا أقول: إن الأولياء ليسوا هم أصحاب القبور الذين يقصدهم العوام من كل فج عميق يطلبون منهم الشفاعة عند الله معتقدين أن الأموات سينفعونهم أو يضرونهم وغير ذلك من العقائد التي ليست من الإسلام في شيء والإسلام ونبي الإسلام منها براء بل والتي جاء الإسلام بمحوها والقضاء عليها، فهذه الأعمال


(١) - صحيح البخاري: كتاب الجمعة: باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة. حديث رقم (١١٨٩) بلفط (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ، الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى).
أخرجه مسلم في الحج، والنسائي في المواقيت، وابن ماجة في إقامة الصلاة والسنة فيها، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في الصوم.
أطراف الحديث: مواقيت الصلاة، الحج.
(٢) - صحيح مسلم: كتاب الجنائز: باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه. حديث رقم (٩٧٢) بلفظ (عن أبي مرثد الغنوي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها).
أخرجه الترمذي في الحنائز عن رسول الله، والنسائي في القبلة، وأبو داود في الجنائز، وأحمد في مسند الشاميين.
أطراف الحديث: الجنائز.
(٣) الجن: آية (١٨).
(٤) النجم: آية (٣٩).
(٥) صحيح مسلم: كتاب الوصية: باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته. حديث رقم (١٦٣١) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ).
أخرجه الترمذي في الأحكام عن رسول الله، والنسائي في الوصايا، وأبو داود في الوصايا، البيوع، وأحمد في باقي مسند المكثرين، والدارمي في المقدمة.
معاني الألفاظ: انقطع: انتهى. … جارية: دائمة مستمرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>