للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كلها جاء الإسلام بتحريمها والنهي عنها ولكن الكثير من المسلمين جهلوا ما جاء عن نبي الإسلام وما صرحت به الآيات الكريمة من القرآن أو تجاهلوها وأصبحت عند الكثير من المغفلين والدجالين كأنها من الإسلام مع أنها من البدع ومن محدثات الأمور ومن المحرمات التي نهى عنها القرآن في عدة آيات وحذر منها الرسول ومنع المسلمين منها في جملة أحاديث صحيحة مذكورة في كتب السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، لقد أجاز بعضهم رفع القبر أكثر من شبر لمن كان فاضلاً ورفعت كثير من القبور فعلاً في كثير من مقابر العالم الإسلامي في حين أن النبي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام بعث الإمام (علي بن أبي طالب) إلى ناحية من نواحي المسلمين وأمره بألاَّ يدع قبراً مشرفاً إلا سواه كما في حديث (أَلأ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ) (١)، كما أن منهم من كتب على لوح أو ألواح وضعها على القبر كلمات المدح والثناء والتقديس والإطراء للميت في حين أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قدنهى عنهافي حديث (نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَمَ أَنْ تُجَصَّصَ الْقُبُورُ، وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهَا) (٢) كما أن منهم من عمر على قبر الميت مسجداً في حين أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد في عدة أحاديث صحيحة مرفوعة منها حديث (لعن الله اليهود والنصارى اتخدوا قبور أنبيائهم مساجداً) (٣). وجعلوا الميت الذي هو محتاج إلى دعاء الأحياء له بالمغفرة والرحمة والرضوان هو الذي ينفع الحي ويغيثه وينصره على من ظلمه ويشفع له عند الله، هذا ولقد طال الكلام لكثرة الأسئلة الواردة حول هذه المصيبة العظمى التي عمت الكثير من الأقطار والأمصار والمعارضة للأدلة الشرعية التي نطقت بها آيات القرآن وأحاديث سيد الأنام، وهي مسألة جديرة بالاهتمام ونشر أدلتها بين الخاص والعام ليعلم الجميع أن ما اشتهر عند الكثير من المسلمين ليس من الإسلام وأن ما يعتقده الكثير من الجامدين والمغفلين في القبور وفي أصحاب القبور وما يعملونه من العقائد التي ذكرتها آنفاً إنما هي من البدع والمحدثات في الإسلام، وأن هذه الأعمال كلها مخالفه لكتاب الله ولسنة رسول الله ولما كان عليه السلف الصالح من أصحابه والتابعين والأئمة المهديين، وأن تفسير أولياء الله بأنهم (الأموات الذين يُقصدون للزيارة ويعتقد فيهم الناس) تفسير للقرآن بشيء لم يكن موجوداً في عصر نزول القرآن ولا في عصر رسول الإسلام ولا في عصر خير القرون، وإني لأكتب هذا الفتوى راجياً من كل من سمعه أن لا يعتب عليّ لكثرة الكلام والإطالة في المقال لأني أكتبه وقلبي محرق وفؤادي يتمزق من المصير الذي صار إليه الكثير من الناس مما يتنافى مع الإسلام.

لا تعذل المشتاق في أشواقه … حتى تكون أحشاك في أحشائه

وما قصدي إلا رضاء الله وخدمة شريعة الله والنصح لعباد الله


(١) - صحيح مسلم: كتاب الجنائز. باب الأمر بتسوية القبر. حديث رقم (٢٢٤٠) بلفظ (عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ، قَالَ: قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلأ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ).
أخرجه الترمذي في الجنائز، والنسائي في الجنائز، وأبو داود في الجنائز، وأحمد في باقي مسند المكثرين.
معاني الألفاظ: الطمس: الإزالة والإبطال والمحو. … المشرف: البارز المرتفع عن مستوى الأرض.
(٢) سنن الترمذي: سبق ذكره في هذا الباب من حديث جابر رضي الله عنه برقم (٩٧٣).
(٣) - صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب مايكره من اتخاذ المساجد على القبور. حديث رقم (١٣٣٠) بلفظ (عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسْجِدًا قَالَتْ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَأَبْرَزُوا قَبْرَهُ غَيْرَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا).
أخرجه مسلم في المساجد ومواضع الصلاة، والنسائي في المساجد، وأحمد في ومن مسند بني هاشم، والدارمي في الصلاة.
اطراف الحديث: الجنائز، أحاديث الأنبياء.

<<  <  ج: ص:  >  >>