للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جل شأنه {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ … ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (١٧) وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (١).

وقد أجمع أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن كل شيء عصي به فهو جهالة عمداً كان أو غيره وكل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة وهو ما أقره شيخ المفسرين الطبري رحمه الله وكل من تاب قبل الموت فقد تاب من قريب قال الطبري وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال تأويله ثم يتوبون قبل مماتهم في الحال التي يفهمون فيها أمر الله تعالى ونهيه قبل أن يغلبوا على أنفسهم هذا معنى ما قاله العلامة سليم الهلالي في كتابه (الشهاب الثاقب) وأضاف قائلاً ودليل ذلك قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- (إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) (٢) وهو بيان لقوله تعالى (وليست التوبة) إلى آخر الآية وقصة ثعلبة هذه تؤكد أن ثعلبة تاب توبة نصوحاً فجاء يعرض صدقته على الرسول وأكد توبته مراراً فجاء إلى أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم- لكنهم رفضوا قبول توبته وأخبروه أن الله لم يقبل توبته وهذا خلاف ما تقدم من النصوص القاطعة التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ … عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} (٣) وقال نفع الله بعلومه فإن قيل أن ثعلبة منافق قلت حتى المنافقين فقد فتح الله لهم باب التوبة على مصراعيه قال الشاكر العليم {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا … عَظِيمًا (١٤٦) مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا} (٤) وقال التواب الرحيم {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (١٠١) وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٠٢) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٠٣) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (٥).

وقد رغب الله عباده في التوبة {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (٦) وحذرهم من أن يقنطوا من رحمة الله التي وسعت كل شيء {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ … الرَّحِيمُ} (٧) وقال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ


(١) - النساء: آية (١٧، ١٨).
(٢) سنن الترمذي: كتاب الدعوات: باب في فضل التوبة والاستغفار. حديث رقم (٣٤٦٠) بلفظ (عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ) حسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي برقم (٣٥٣٧).
أخرجه ابن ماجة في الزهد.
معاني الألفاظ: الغرغرة: بلغت الروح الحلقوم والمراد تيقن الموت.
(٣) الشورى: آية (٢٥)
(٤) النساء: آية (١٤٥)
(٥) التوبة: آية (١٠١ - ١٠٤)
(٦) النور: آية (٣١)
(٧) الزمر: آية (٥٣)

<<  <  ج: ص:  >  >>