للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جـ: اعلم أنه اختلف العلماء في جواز زواج المسلم بالكتابية وهي اليهودية أو النصرانية على قولين:

القول الأول: هو جواز زوج المسلم بالكتابية لقوله تعالى {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} (١).

القول الثاني: تحريم زواج المسلم بالكتابية وإلى القول الأول ذهب جمهور العلماء وهو مذهب أهل السنة، وإلى القول الثاني ذهب الأقل من العلماء وهم الزيدية ومن وافقهم في تحريم زواج المسلم بالكتابية وقد احتج الجمهور من المسلمين على القول بالجواز بأن الأصل في كل شئ هو الجواز والإباحة حتى يرد دليل صحيح صريح يدل على التحريم، كما أنهم قد تبرعوا بدليل على الجواز مع كون الأصل معهم، والدليل على جواز نكاح الكتابية هو قوله تعالى {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} (٢) وقد أجاب العلماء القائلون بتحريم زواج المسلم بالكتابية على الدليل الذي احتج به الجمهور من العلماء على جواز هذا النكاح بأن أهل الكتاب قد أصبحوا مشركين لأن اليهود قالوا {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} والمسيحيين قالوا {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} وحيث قد قالوا هذين القولين فقد صاروا مشركين والمشركة لا يجوز زواج المسلم بها بالإجماع، وهكذا أجابوا على من قال بالجواز بأن أهل الكتاب قد بدلوا وحرفوا ولكن الجمهور من العلماء قد ردوا على هذين الجوابين بأن القرآن قد جوز نكاح الكتابية في سورةالمائدة بالآية الكريمة {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} في حين أن أهل الكتاب قد قالوا هذين القولين من قبل نزول هذه الآية التي جوزت الزواج بالكتابية أو عند نزول هذه الآية التي جوزت الزواج بالكتابية والدليل على هذا أن القرآن قد حكى عنهم هذين القولين حيث قال {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} (٣) كما أنهم أيضا كانوا قد حرَّفوا وبدَّلوا من أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- بل ومن قبل أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- حيث حكى عنهم ذلك في الكتاب العزيزفي قوله تعالى {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (٤) وقوله تعالى {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (٥) ولبعض علماء السنة نظرية في هذه المسألة جعلته يحكم بتحريم زواج المسلم بالكتابية وإن كان الدليل في القرآن الكريم قد دل على الجواز وذلك من ناحية الظروف التي كان المسلم في أيام الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعيش فيها وهكذا في أيام خير القرون فإن المسلم في تلك الأيام كان في غاية من التمسك الديني والورع والتقوى وكان المثل الأعلى في حسن السيرة


(١) سورة المائدة: آية (٥).
(٢) سورة المائدة: آية (٥).
(٣) - التوبة: آية (٩).
(٤) - البقرة: آية (٧٥)
(٥) - آل عمران: آية (٧٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>