للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والسلوك وكان المسلم في غاية من القوة والاعتزاز بإسلامه فكان المسلم إذا تزوج بامرأة من أهل الكتاب فبمجرد المخالطة وبالمجالسة تقف على أعماله من ناحية العلم والمعرفة والعبادة والمعاملة الحسنة لزوجته ولأولاده ولأسرته ولجيرانه فتعجب به فتسلم وتصبح بعد أيام من جملة المسلمات ولا سيما وأن المسلمين في تلكم العصور كانوا في غاية من القوة وقد جرت العادة بأن الضعيف يقلد القوي ويتابعه في كثير من أخلاقه وعاداته وتقاليده وفي بعض الأحيان قد يتابعه في دينه، وأما في هذه الأيام فقد أصبح البعض من الشباب مخالفاً لما كان عليه الشباب من المسلمين في عصر خير القرون ولم يبق المثل الأعلى في السلوك وحسن السيرة وفي العبادات والمعاملات وفعل الواجبات أو اجتناب المحرمات كما كان الشاب في أيام السلف الصالح فلا يرجى من زواجه بالكتابية أنها تعجب بأخلاقه وبديانته وبعبادته إلى حد أنها تقتدي به فتؤمن بالله وحده وتشهد بأنه لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتنخرط في سلك النساء المسلمات بل قد يخشى والعياذ بالله أن يصير حبه لها حباً يجعله يقلد ما في عاداتها وفي تقاليدها أو يتشبه بها في أخلاقها ومعتقداتها فتذوب عاداته وتقاليده في عاداتها وتقاليدها إلى أن يترك بعض الواجبات القطعية التي أوجبها الله على كل مسلم ومسلمة كالصلاة أو الصيام أو يرتكب بعض الكبائر التي دل على تحريمها الكتاب والسنة والإجماع وذلك كشرب الخمر ونحوه من المحرمات القطعية ولا سمح الله، والخلاصة: أنه يخشى عليه أن يذوب أمامها بدلاً من أن يجذبها ويجعلها تذوب أمامه كما يخشى عليه أن يخرج من الإسلام بدلاً من أن تدخل هي في الإسلام وبناءً على ذلك فيمكن أن نحكم بتحريم زواج الشاب المسلم بالشابة الكتابية من هذه الناحية لأن الزواج بها قد يكون مظنة لما هو حرام فيكون حراماً من باب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- (فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ) (١) هذا، وأما المغالاة في المهور فالإسلام يحرمه ولكن الكثير من المسلمين قد حملهم الجشع والطمع حتى ضحوا بمستقبل بناتهم وبراحتهن وبعفتهن في سبيل طمعهم وجشعهم حيث غالوا في المهور المغالاة التي أصبحت تزيد في كل عام زيادات خياليه وأضافوا إلى المهر أشياء ما أنزل الله بها من سلطان حتى أصبح الزواج متعذراً على الكثير من الشباب ولا سيما الفقراء، والمغالاة في المهر حرام للمفاسد التي تترتب على المغالاة في المهور من تعسير الزواج الذي يسبب إغلاق باب إشباع الرغبة الجنسية لدى الشباب والشابات عن طريق الزواج الشرعي ويسبب اضطرار الشباب والشابات إلى اشباع رغباتهم الجنسية عن طريق باب العلاقات المحرمة بين الشباب والشابات الذين تعسر عليهم الزواج الحلال بسبب المغالاة في المهور والمبالغة في تكاليف حفلات الزواج، وقد رغب الإسلام في تيسير المهر كما في حديث (انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ) (٢).


(١) - صحيح البخاري: كتاب الأيمان: باب فضل من استبرأ لدينه. حديث رقم (٥٢) بلفظ (عَنْ عَامِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لَا يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، فَمَنْ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ).
أخرجه مسلم في المساقاة، والترمذي في البيوع، والنسائي في البيوع، وأبو داود في البيوع، وابن ماجة في الفتن، وأحمد في أول مسند الكوفيين، والدارمي في البيوع.
أطراف الحديث: البيوع.
معاني الألفاظ: استبرأ: صان وحفظ. الشبهات: ما تردد بين الحل والحرمة. الحمى: أرض مخصوصة يمنع الغير من دخولها. … يواقعه: يدخله، ما حرمه ونهى عن إتيانه. … مضغة: قطعة لحم بقدر ما يمضغ.
(٢) - صحيح البخاري: كتاب فضائل القرآن: باب القرآءة عن ظهر غيب. حديث رقم (٥٠٨٧) بلفظ (عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُ لِأَهَبَ لَكَ نَفْسِي فَنَظَرَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَعَّدَ النَّظَرَ إِلَيْهَا وَصَوَّبَهُ ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَتْ الْمَرْأَةُ أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شيئاً جَلَسَتْ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: اذْهَبْ إِلَى أَهْلِكَ فَانْظُرْ، هَلْ تَجِدُ شَيْئًا؟ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا، وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا، قَالَ: انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي، قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ شَيْءٌ فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى طَالَ مَجْلِسُهُ ثُمَّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُوَلِّيًا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: مَاذَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا عَدَّهَا قَالَ: أَتَقْرَؤُهُنَّ عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ).
أخرجه مسلم في النكاح، والترمذي في النكاح، والنسائي في النكاح، وأبو داود في النكاح، وابن ماجة في النكاح، وأحمد في باقي مسند الأنصار، ومالك في النكاح، والدارمي في النكاح.
أطراف الحديث: الوكالة، النكاح.

<<  <  ج: ص:  >  >>