للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذين لا يشترطون في الحجاب تغطية الوجه واليدين سواء كانت هذه المرأة تسكن في المدينة أم في الريف، ومن سترت جميع أعضائها حتى الوجه واليدين فقد عملت بالأحوط ووافقت مذهب القائلين بأن الحجاب لا يكون حجاباً شرعياً إلا بتغطية جميع بدن المرأة حتى الوجه واليدين وهم أهل القول الثاني الذين احتجوا بحديث ابن عمر عند البخاري وغيره مرفوعاً (لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين) الدال على أن غير المحرمات من النساء كن يسترن وجوههن وأيديهن وهم الذين قالوا إن كشف المرأة وجهها قد يكون سبباً للدخول في المحظور فأوجبوا ستر الوجه سداً للذريعة وحيلولة بين الجنسين وبين الدخول في شئ لا يحمد عقباه وخشية من أن تكون عاقبة الكشف وخيمة وأن تكون نتيجة عدم تغطية الوجه سيئة وسواءً كانت هذه المرأة تسكن في المدينة أم في الريف والمذهب الأخير هو الأولى لأن فيه عملاً بالأحوط وسداً لذريعة الفساد، هذا ولا بُدَّ على كلا المذهبين من أن يكون الثوب الذي تستتر به المرأه غير زينة في نفسه مما قد يلفت أنظار الرجال إلى المرأه لقوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} إلى آخر الآية.

كما أنه يجب ألا يكون الثوب صفيفاً يشف الجسم ولا يظهر جسمُ المرأة من خلفه فإن كان رقيقاً يظهر جسمُ المرأة من خلاله فلبسها أمام الرجال الأجانب حرام شرعاً للحديث الصحيح المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم (صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) (١) وكذلك يجب أن يكون ثوب المرأة فضفاضاً غير ضيق فإن كان ضيقاً يصف حجم المرأة ويظهر منه رقة خصرها وضخامة عجزها حرام عليها لبسه لحديث أسامة الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمره بأن يأمر امرأته بأن تجعل تحتها غلاله لئلا تصف حجم عظامها ولفظه (مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا) (٢)، وهكذا يجب أن لا يكون معطراً أو مبخراً فإن تعطرت المرأه في جسمها أو ثوبها أو تبخرت وخرجت أمام الرجال وهي معطره مبخرة كانت آثمة شرعاً وذلك لورود الأدلة الصحيحة الصريحة في الدلالة على تحريم ذلك، وذلك لحديث (أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ) (٣)


(١) صحيح مسلم: كتاب اللباس والزينة: باب النساء كاسيات عاريات. حديث رقم (٣٩٧١) بلفظ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ رُءُ وسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا).
أخرجه أحمد في باقي مسند المكثرين، ومالك في الجامع.
أطراف الحديث: الجنة وصفة نعيمها وأهلها،
معاني الألفاظ: ثيابهن شفافة تصف، أو محسورة لا تستر، مميلات لأكتافهن أثناء المشي، ومميلات للناظر لهن، مائلات عن الحق، أو مائلات يمشين بتبختر وميوعة. … البخت: جمال طويلة الأعناق.
(٢) - مسند أحمد: كتب مسند الأنصاررضي الله عنهم: باب مسند أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم. حديث رقم (٢٧٨٧) بلفظ (عَنِ ابْنِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ أَبَاهُ أُسَامَةَ قَالَ: كَسَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبْطِيَّةً كَثِيفَةً كَانَتْ مِمَّا أَهْدَاهَا دِحْيَةُ الْكَلْبِيُّ فَكَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا لَكَ لَمْ تَلْبَسْ الْقُبْطِيَّةَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتُهَا امْرَأَتِي، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مُرْهَا فَلْتَجْعَلْ تَحْتَهَا غِلَالَةً إِنِّي أَخَافُ أَنْ تَصِفَ حَجْمَ عِظَامِهَا)
انفرد به
معاني الألفاظ: القبطية: ثوب مصري رقيق أبيض.
(٣) سنن النسائي: كتاب الزينة: باب ما يكره للنساء من الطيب. حديث رقم (٩٤٢٢) بلفظ (عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ) حسنه الألباني في صحيح سنن النسائي برقم (٥١٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>