للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صباحك بالخير) أو نحو هذه الجملة لأنه دعاء لأخيه بأن يكون في سعادة كأنه يقول اسأل الله أن يجعلك سعيداً في هذا الصباح لأن هذه الجملة من الجمل التي لفظها خبر ومعناها الإنشاء مثل رحم الله فلاناً أي أسأل الله له الرحمة، ودعاء المسلم لأخيه مشروع إذا كان سيكون على صفة لا تعارض السنة الواردة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإذا كانت على صفة مخالفه للسنة مثل أن يكون بدلاً عن السلام المشروع عند اللقاء يكون غير مشروع، فالدعاء حينئذ سيكون مشروع بأصله ولكنه غير مشروع بوصفه، هذا وأما ما رواه عبدالله بن الإمام أحمد عن الحسن مرسلاً أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحاب الصفة كيف أصبحتم فليس بحجة على جواز إبدال السلام المشروع بقولهم كيف أصبحتم، لوجهين:

الوجه الأول: أن هذا الحديث على فرض صحة سنده إلى الحسن فهو مرسل من مراسيل الحسن البصري ومراسيل التابعين غير صحيحة أي أن علماء الحديث لا يقبلون من المراسيل إلا مراسيل الصحابي، أما مراسيل غير الصحابي فلا يقبلونه بل يجعلون الحديث الذي أرسله غير الصحابي من قسم الحديث الضعيف وخصوصاً مراسيل الحسن البصري فهي أضعف من غيرها.

الوجه الثاني: أنه ليس في الحديث تصريح بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد جعل السؤال عن كيفية صباحهم عوضاً عن السلام عليهم بل فيه تصريح بأنه سألهم عن حالهم في ذلك الصباح، ففيه دليل على مشروعية سؤال المسلم المسلم عن حاله عند اللقاء، أما أن فيه حجة على ترك التسليم وجعل السؤال عن الحال بدلاً عنه فلا، والظاهر أنه ما قال لهم (كيف أصبحتم) إلا بعد أن سلم عليهم السلام المشروع الذي جاءت به الأحاديث الصحيحة الوارد في الكتاب والسنة وإجماع المسلمين والذي جعله النبي -صلى الله عليه وسلم- من حق المسلم على المسلم في حديث (حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِز، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ) (١) ولهذا كله فالأحوط هو التسليم أولاً ثم السؤال عن الحال في الصباح أو في المساء بقول المسلم بعد التسليم لأخيه كيف أمسيتم أو كيف أصبحتم التي اختصرها العامة فقالوا كـ (مسيتو) أو كـ (صبحتوا) أو التسليم ثم الدعاء من المسلم لأخيه المسلم بأن يكون صباحه صباح خير أو صباح نور، وقد ورد في سنن ابن ماجه بإسناد لين من حديث أبي سعيد الساعدي أن النبي عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام دخل على العباس -رضي الله عنه- فقال السلام عليكم فقالوا وعليك السلام ورحمة الله وبركاته فقال: كيف أصبحتم؟ قالوا بخير بحمد الله كيف أصبحت بأبينا وأمنا يا رسول الله؟ فقال: أصبحت بخير أحمد الله وهو بلفظ (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، قَالَ: كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ؟ قَالُوا: بِخَيْرٍ نَحْمَدُ اللَّهَ، فَكَيْفَ أَصْبَحْتَ بِأَبِينَا وَأُمِّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أَصْبَحْتُ بِخَيْرٍ، أَحْمَدُ اللَّهَ) (٢) فهذا الحديث قد جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه التحية المشروعة مع المجاملة المعتادة وهي السؤال عن


(١) - صحيح البخاري: كتاب الجنائز: باب الأمر باتباع الجنائز. حديث رقم (١١٦٤) بلفظ (أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلَامِ، وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِز، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ).
أخرجه مسلم في السلام، والترمذي في الأدب عن رسول الله، والنسائي في الجنائز، وأبو داود في الأدب، وابن ماجة في الجنائز، وأحمد في باقي مسند المكثرين.
(٢) سنن ابن ماجة: كتاب الأدب: باب الرجل يقال له كيف أصبحت. حديث رقم (٣٧٩٤) بلفظ (عن أَبِي أُسَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِلْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ قَالُوا: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، قَالَ: «كَيْفَ أَصْبَحْتُمْ؟» قَالُوا: بِخَيْرٍ نَحْمَدُ اللَّهَ، فَكَيْفَ أَصْبَحْتَ؟ بِأَبِينَا وَأُمِّنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «أَصْبَحْتُ بِخَيْرٍ، أَحْمَدُ اللَّهَ) صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة وقال: (أن الحديث حسن لغيره).
انفرد به ابن ماجة.

<<  <  ج: ص:  >  >>