بذلك حتى ضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ولفظ (مكاننا) مرفوع لأنه خبر المبتدأ. فان قلت بم عرفوا أنه ربهم حتى قالوا انت ربنا. قلت إما بخلق الله فيهم علما به وإما بما عرفوا من وصف الأنبياء لهم في الدنيا واما بأن جميع العلوم يوم القيامة تصير ضروريا. قوله (فيأتيهم الله) فإن قلت مامعنى إتيان الله وهو سبحانه وتعالى منزه عن الحركة. قلت إسناد الإتيان إليه مجاز عن الظهور لأن الإتيان مستلزم للظهور وعلى المأتى إليه. فإن قلت فلم كرر لفظ فيأتيهم الله. قلت لا تكرار إذ المراد من الأول ظهور غير واضح لبقاء بعض الحجب مثلا ومن الثاني ظهور واضح في الغاية أو يقلل أبهمه أولا ثم فسره ثانيا بزيادة بيان قولهم وذكر المكان ودعوتهم إلى دار الإسلام أو يراد بالأول إتيان الملك ففيه إضمار. فإن قلت الملك معصوم فكيف يقول أنا ربكم وهو كذب محض. قلت قيل لا نسلم عصمته من مثل هذه الصغيرة ولئن سلمنا فجاء ذلك لامتحان المؤمنين. فان قلت المنافقون لا يرون الله فما وجه توجيه الحديث. قلت ليس فيه التصريح برؤيتهم وإنما فيه أن الأمة يرونه وهذا لا يقتضي أن يراه جميعهم كما يقال قتله بنو تميم والقاتل واحد ثم لو ثبت التصريح به عموما فهو مخصص بالإجماع أو سائر الأدلة أو خصوصا فهو معارض بنحوها وهذا من المتشابهات والأمة في أمثالها طائفتان مفوضة يفوضون الأمر فيها إلى الله تعالى جازمة بأنه تعالى منزه عن النقائص ومؤولة يؤولونها على ما يليق به الخطابي: هذا موضع يحتاج الكلام فيه إلى تأويل ويجب أن تعلم أن الرؤية التي هي ثواب للأولياء وكرامة لهم في الجنة غير هذه الرؤية وإنما تعريضهم لهذه الرؤية امتحان من الله تعالى ليقع التمييز بين من عبد الله وبين من عبد الشمس ونحوها فيتبع كل من الفريقين معبوده وليس ينكر أن يكون الامتحان إذ ذاك يعد قائما وحكمة على الخلق جاريا حتى يقع الجزاء بالثواب والعقاب ثم ينقطع إذا حققت الحقائق واستقرت أمور الإتيان فتأويله أن طرو الرؤية في الكرة الأولى حتى قالوا هذا مكاننا من أجل أن معهم من المنافقين الذين لا يستحقون الرؤية وهم عن ربهم محجوبون فلما تميزوا عنهم ارتفعت الحجب فقالوا عندما رأوه أنت ربنا ويحتمل أن يكون ذلك قول المنافقين دون المؤمنين وقد روى أبو عبد الله هذا الحديث في بعض أبواب هذا الكتاب بزيادة هكذا فيأتيهم الله في غير الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعوذ بالله منك هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا فيأتيهم في الصورة التي يعرفون فيقول أنا ربكم فيقولون نعم وهذا يؤكد أنه قول المنافقين ولفظه وإن كان